الخميس، 22 نوفمبر 2018

اوراق سفر...هنود موريشيوس

سارت الحافلة امامنا مزهوة تتمخطر و تتمهل مرة على ظهرها و اخرى على جوانبها على طول الطريق بين مراتع السافانا ونحن نزحف في أعقابها. وراءنا ، كثيرون آخرون يسيرون كما يسير المريض. ليس هناك أي تحدي أو أية محاولة لتجاوز الحافلة.
تعتريك الحيرة أكثر من الدهشة، متى عرفت أن حوالي 63٪ من سكان موريشيوس هم في الاصل هنود ، تلاشت هنديتهم؟ فلا يوجد أي شخص يطلق النار من البقع القرمزية، ولا يوجد من يتبول على الجدران بمحاذة الطريق؟ تسافر عبر الجزيرة ، لا ترى أي أكوام من القمامة. ولا أحد يتحرش بالنساء، يحاول أن يلتمس منهن جزء من الاجزاء . يشعرن بالأمان الكافي وهن يستأجرن سيارات الأجرة وحدهن في جميع أنحاء البلاد ... آمنة حتى بما يكفي للإبحار إلى جزيرة أخرى في زورق آلي متى كان الركاب الآخرون هم المراكبيين وسط حدائق الياقوت والفيروز الذي يذوب ويختلط في البحر تحت سماء زرقاء مثل جناح الرفراف. معابر المياه واضحة بما فيه الكفاية لرؤية الأسماك التي تتسلل إلى الشعب المرجانية. ولا توجد أية ملامح على قمامة عائمة، او ما يعكر صفو البيئة

السكان المنحدرون من أصل هندي في موريشيوس هم العمال القادرين على العمل والذين هاجروا إلى هناك بعد إلغاء العبودية في العام 1835.لسان حالهم يقول "العمل المنهك أقل وحشية من العبودية". لم يُكره المهاجرون ولم يخطفوا ، اختاروا المجيء. برغم الظروف القاسية التي غالباً ما افقدتهم الاتصال مع الأقارب ، لم يتم سجنهم أو حرمانهم من تقاليدهم. بحلول عشرينيات القرن العشرين ، استقر حوالي خمسة أشخاص من الهند في موريشيوس. اليوم ، فأن الطرق السريعة تخترق حقول قصب السكر الهادئة تحت اقواس قزح الملونة . ولكن مجرد إلقاء نظرة على بقعة من أرض الغابات ستدرك كم العذاب الذي كان ناتج من اختراق الحقول المنيعة في الغابة الاستوائية.
جرب عديد من الأحفاد المتعثرين أن يعودوا إلى جذورهم، قائلين أن وضع القدم على أرض أسلاف المرء هي تجربة عاطفية إلى حد كبير، ولكن يبدو أن الكثيرين خاب أملهم، لم يصادفوا إلا الجوع، و أقارب يعيشون في الفقر. أكواخهم شبيهة بآثار من معسكرات العمل في القرن التاسع عشر في موريشيوس. أحدهم اشار: الان أعرف كيف اقدر حظي "إذا لم تكن عائلتي قد وصلت إلى موريشيوس ، لربّما كنت سأكون سائق التعاسة في الهند".

ليسوا الهنود هم المهاجرون الوحيدون إلى موريشيوس في القرن التاسع عشر ، فقد جاء خلق كثير من مدغشقر وموزامبيق و حتى الصين . من المدهش أن ترى كيف ينتقلون بين اللغات بطلاقة ، من الفرنسية إلى الكريولية إلى الإنجليزية ، حتى الهندية. و خاصة في سيارات الأجرة، التي تطوف بك بين معابد هن دوسية في كل مكان...حتى الريف،تجتاز مبنى بصليب خشبي بسيط، و سقف قش تفجر في كثير من الأحيان ، بفعل الأعاصير .تحت السقف كنيسة صغيرة هادئة تنبعث منها رائحة التبن. في الخارج ، وأسفل شجرة اللوز ، يتم تثبيت تمثال بالالوان لمريم العذراء و يسوع المسيح.تصعد  من الكنيسة إلى كهف لو مورن.استخدمه العبيد الهاربون للاختباء. وفي اول ايام الربيع من العام 1835 ، أحد أفراد الشرطة يتعقب العبيد المختبئين ، و يخبرهم انهم في خط النهاية، يقفز المذعورين إلى موتهم من أعلى الجرف، وتنجح حيلة اللئيم.

على مسافة بعيدة حيث تنقطع المباني، و تختفي.تحيط تلال بركانية شائكة ، هناك تبدو السماء أبرح، والقمر أكبر يتدنى بين مليار نجم ،وكأنه عليك يسلم ، وبك يرحب، و لكن المؤسف أن الوان اللوحة تفسد، و الحال يتغير ، و القصة ابراج انفوتيتش ، فالحكومة تريد من موريشيوس أن تتحول إلى سنغافورة .يستجيب لهذاء النداء الجنوب أفريقيون، يقومون ببناء فيلات وأندية فاخرة لاستخدامها حصريًا. يشتكي السكان المحليون من أن شواطئهم قد بدأت في الانحسار ، و كذلك أفضل منتجاتها...الاسماك.

 غير بعيد عن المستشفى، و فندق الخمسة نجوم ، طيور تحوم على سقف منزل رئيس الوزراء ، فيه لا يدخل القلق. فالمساء بارد، و موسيقى الجاز تزدحم لشخص ما ، و شرفات الحديقة مستعصية عن العموم، و الموعد فنون ، و كثير من طعام، رقص و جنون جميل احتفاء بعيد الوطن... هل يا ترى يمكن أن يكون عيد للفقراء؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق