الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

أوراق سفر...حجر الكهرمان


(1) هذه المرة من الشرق إلي الغرب

إذا ما اتجهت من الشرق إلي الغرب ، وأنت تستقل المترو من محطة راين الاي / بادغودسبرغ لتكون وجهتك الفضاء التجاري بوسط المدينة” بون هاوبت بانهوف" ، فلن يكون لك خيار،إلا أن تمر" بماكس لوبينر شتراسي" ... هناك اعتزمت النزول، لن تشعر بمدة الخمسة عشر دقيقة، والتي تمثل زمن مسافة قطع الطريق، خاصة...متى تبادلت نظرات تعتقد عبرها، انك اسست علاقات، تكتمل بسفارات ، تعلن عن بدايات انطلاق موعد غرامي مع فتاة شقراء الشعر قصيره، لا يسعني إلا أن أطلق عليها بالمجمل... جميلة...لا لست صادقا، فمازال كبرياء الرجولة، ودلال أمي وغنجها لي، يمنعاني عن قول الحقيقة...هذه الحقيقة التي تقول إن هذه الفتاة...أكثر من جميلة ، جلست أمامي تبعد عني مقعدين ارتدت كنزة بوليفول اخضر زاهي ، أرغم عنقها على البروز فانعكس شعاعا يخطف البصر ،يجعل العيون حيارى بين التأمل و الاغفاءة، بين اليقظة و الحلم، فيستحيل النظر أن يزوغ عن مصدر هذا الشعاع. أتاني صوت المنبه وهو ينادي على محطتي المقصودة ، ليرغمني على الوقوف وعيناي مازلت متعلقة بها وتخاطبها في التكرم علي بالنزول معي لترافقني..... لا إجابة ، اندلفت مع الجموع من القبو،أوزع عليهم أجزاء من الخيبة ،التي لا أستطيع تحملها،لأنها ببساطة تضايقني،سالكًا طريقي إلي حديقة الجامعة، أشقها طوليا حتى أصل إلي الفضاء التجاري.
لرجوعي للوطن يبقى أسبوعان... وأنا... الحيرة تقلقني والسؤال لا يكف بالطرق داخلي... ماذا اهدي لها.

وجدت نفسي داخل الصندوق الزجاجي "هارتي"، هذا الكيان الضخم الذي يسمى سوق وهو يتفاخر بأدواره السبعة ، والذي لا أنسى بأنه ضربني على راسي قديما، لأنه تعمد أن تكون أبوابه الزجاجية لامعة ،حتى يتوقف نظرك على النفاذ والرؤية ،فيأتيك الشعور بأنك تدخل إلي مجال اللا رؤية..

من أين أبداء، بالعطور...... بالمقتنيات الجلدية، الإكسسوار.. والملابس ، لا توجد عندي أدنى فكرة ، الابتسامة ترغم أساريري على الانبساط وأنا أتذكر الزيارة الأولى رفقة اختي ، كيف احمرت عيونها من إجهاد النظر ، وهي تتلصص على السلع ...حتى أن نظرتها الطبية لم تحل الأمر، ولم تساعدها، في وقت الحاجة، لتصاب بدوران بعد عشرون دقيقة من التجوال والصمت المطبق، وتطلب مني المغادرة فورا حتى لا يغمى عليها... والحل كان عندها بسيط و سهل ، سندوتش شاورما كأنه عمود ، تتكئ عليه حتى لا تقع ، و تعود المرة القادمة، للسوق شرسة "يا جبل ما يهزك ريح"... فمنذ متى تقتنع النساء بالهزيمة ،ولتعطيني الدرس المستفاد"و هو أنني لم اعد احمل هم القادمين وكيفية وضع خطة لسياحتهم... هذا الكائن هو المقصود وهو الوجهة وهو المعلم السياحي الوحيد الذي يرغبون كل يوم بزيارته مستمتعين بقيادة العربات في مساربه ،هائمين في هذه المتاهة، حيث الأم تنسى وليدها والأخ يفقد أخاه ، والزوجة تسلم في زوجها إلي حين ،ولا احد يعرف احد، إلا من أتى الله بقلب سليم..... لاعجب فهذا زمن الاستهلاك والتفنن في مضيعة الوقت... عموما الهيكل لازال إلى ألان موجود ولكن المالك اسم جديد... الكاوف هوف.

لم أصل إلي قرار وأنا أتسكع في زقاقه كبوهيمي فقررت الخروج ، و قبل خطواتي الأخيرة للخلاص، التقيت بشقراء" أيضا ومرة أخرى "،ولكن هذه المرة،كانت شقراء بتنوره قصيرة ولدت نفس الإشعاع السابق ...هذه المرة، من خلال ساقيين منحوتتين ، ما بالي، أم ما بال هذا البلد ، تعمدت أن أتوجه إليها بالسؤال نظرا لحيرتي فهي إحدى موظفات الاستعلام بالسوق أو نظرا لغايتي بالتحرش بها... لا ادري ولا أريد أن ادري.

ما أعرفه أنها أشارت إليّ ،عندما علمت بأن الهدية تخص امرأة، بأن انطلق فوراً إلي الدور الرابع حيث الملابس الداخلية الخاصة بالنساء، أمام هذه الجراءة المتمردة وهذا الهجوم عليّ.... العنيف لم أجد نفسي، إلا وأنا أهز براسي في اتجاهين متضادين، وبصري حديد، في اتجاه وحيد... الأسفل، لأعبر عن رفضي ،وخجلي الشرقي، أو الطفولي كله سيان، المهم،هو الرفض... فجاءتني الإجابة تتهمني بالغباء مشتما فيها رائحة الشفقة لا الاحتقار... انك لا تعرف ماذا تحب النساء.

في الخارج كنت... يساعدني الهواء البارد على تلطيف درجة حرارتي المرتفعة ، ابحث عن مكان ارمي فيه خجلي؛ وأتخلص من الإهانة... كيف لا يعرف النساء؟! من ظن نفسه الدون جوان. موسيقى غير بعيدة تشدني انسحب إليها ، أنغام بيروفية تعبق برائحة جبال الانديز، أعثر هناك على شقراء المترو.. ولكي أتبث لنفسي بأني أخبر النساء، توجهت إليها مُعرفًا بنفسي من خلال لقبي... على عادتهم، مقتحمًا خلوتها بإختلاق حديث.. لن يكون هناك حديث، أفضل من حديث الهدية.. ، أخرجت مذكرتها اليومية.. فتحتها. رأيت وردة مقطوعة صغيرة مجففة وضعت بعناية مابين صفحتين، قالت :هذه وردة جبلية نادرة أهداها حبيبي إليُ، إنها الأقرب لقلبي... أصابني ذهول، وردة جافة تكاد لا تساوي شيئا،و لن تجدها في أرفف الاستهلاك، سعيدة هي بها، لماذا بادلتني النظرات... إذا لم...؟، أي نعم أيضًا أنا...بادلتها النظرات ولي أيضا حبيبة... لا تهدي، ولكني ذكر وهي أنثى... ولم تذكر الملابس الداخلية... الواقع... إني لا أعرف النساء.

(2) هذه المرة من الغرب إلي الشرق

إلي الشرق انتقلت ، عند السهول المشرفة على بحر البلطيق ،" أوستبروسين"وذلك لأجل زيارة لها دلالة عائلية ، جلست على شاطئ البحر في إحدى أمسيات شهر يونيو ، اعبث بذرات الرمال ، استمع إلي حكاية الشيخ والبحر ... ليست لارنست همنغواي بل للشيخ "أخيم"، يروي على مسامعي، الاسطورة... عندما يظهر القمر يكتمل.. .. يصبح بدر ، يزهو البحر يرقص فرحا على خيوط الضوء يناجي حبيبته القمر ، فيخرج من مكنونه جواهر، ليرميها على أطرافه...على ذرات الرمال...هذه الجواهر مُنعت في الزمن الغابر على عامة الناس، من أجل أن يغتني رجال الدولة والأشراف... المنع وصل إلي حد الشنق...إن الجوهر الذي يستحق كل هذا ليصبح عزيزا، اسمه "حجر الكهرمان".
لقد وجدتها صرخت بأعلى صوتي، في نفسي... الهدية حجر له تاريخ رومانسي من زمان، يرتبط بي... اشتريته.

(3) هذه المرة من الشمال إلي الجنوب

صعدتُ الطائرة ، وأنا أريد لثلاث ساعات أن تُختصر ، كما تقول كروان الشرق "فائزة احمد" (شوقا إلي حبيبي... أكادُ أطير)، لا فكرة تراودني إلا انطباع الحبيبة لرؤية الهدية، ناديت على المضيفة... لأنها امرأة، جعلت الحجر يبادلها النظرات، سألتها عن رأيها... لأنها امرأة... يا للروعة انه جميل. . جميلاً حقا... أدخلت الطمأنينة في نفسي... من المؤكد أيضا حبيبتي.

استقرت الطائرة على المدرج، الفرحة تسير بقدمي فهي في الخارج تنتظرني...... مشتاقة إلى رؤيتي هكذا قالت لي في أخر مكالمة هاتفية... لمحتني من بعيد، لمحتها، لوحت إليُ لوحت لها، بعد لحظات كنت أمامها -- اشتقتُ إليك، ولم تعلمني أن لا أشتاق قالت... أين الحجر؟. أخرجته من العماق، أعطيتها إياه تعجبت لبريقه مدهوشة. يبدو كقصيدة شعر:قلت لها

...لا يساوي الحجر ، جاءت بعد أيام ، وهي تقول هذه العبارة، قبل أن استوضح تابعت، فهي في الأغلب لا تريد أن تسمع، فقط تتحدث...لقد قيمته عند الصائغ فقال انه مجرد حجر هنا في بلدنا لا تاريخ له، مجهول بلا ماضي، إذاً لا معنى له فمن أين أتت له الكرامة.

(4) هذه المرة من الجنوب إلي الشمال

ركبت الطائرة...مرة أخرى ، لا احد في وداعي ، كما كان في استقبالي، لا التفت ورائي، و لسان حالي يقول... أذهب هذه المرة، كي اعرف الناس... أين يوجد الاختلاف والتنوع ؟... لن اعرف، إذا لم أقارن بين المختلفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق