الجمعة، 4 سبتمبر 2015



الرجل الكلب
عمره خمسة وخمسين سنة، متزوج ويكره النساء شريكاته في الوطن... فقط. قال لي ذات يوم أني أرمقهن، أو أبصرهن عندما يعبرن أمامي في الشارع، غير أني أنظر اليهن من دون توق وبإحساس مفعم بالهباء.كلهن مكسوات بالكامل يفتقدن الإثارة.حتى يصبح صعب على المرء بالطبع أن يحرز شكل بنيتها، ولن يكتشف هذا الأمر إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس. من ذا الذي أخترع النساء؟ لأي هدف جوهري؟
- إلا تعتقد بأن النساء المكسوات بالكامل مثيرات، وبإمكاننا نحن الرجال أن نكون فكرة، فالساقان المنبثقتان شيئاً فشيئاً من تحت كل ذلك القماش يشكل اثارة أكثر بكثير من تنورة قصيرة ميني جوب...قلت له.
- هراء انهن قاسيات متطرفات وغالباً ما ينتهي بهن الأمر بأن يصبحن بمنتهى القباحة نتيجة ذلك، والتي يحرصن على اخفائه مخافة اكتشافه، فتصير البضاعة راكدة الي أن تجف...أنا متيقناً ولست معتقداً، بعكس نساء عبر البحار، واللائي ان ظفرت بإحداهن فما عليك إلا ان تضعها في صندوق زجاجي، تتأمله وتبكي من حسرة الظلم. أنا ابحث عن نساء تبدين أجمل وحياة أكثر هدوء، وأقل زيفاً مواصلا حديثه - نسائنا ببساطة متفوقات علينا، يخططن أفضل بكثير، وهن أكثر تنظيماً. وبينما يشاهدون الرجال مباريات كرة القدم، أو يرتادون المقاهي، يدخنون النرجيلة، كانت النسوة في المقابل يفكرن فينا، مركزات، يدرسن ويقررن، إما قبولنا أو نبذنا، أو استبدالنا أو بكل بساطة هجرنا في النهاية بالكاد يشكل هذا أدنى أهمية. قاطعته ...
- هذا حال كل نساء العالم....
 المنحطات كن عنده هن المفضلات، ولكن النسوة...النساء، في مرة من المرات قال لي بأن المحترمات كن يرغبنني " لم أعرف يوماً بأنه كان في مع أحدهن في علاقة، فهو تقريبا ليس من الصنف الذي تحبه النساء...لست متيقناً" محاولات في نهاية الأمر الحصول على روحي، الا أن ما تبقى من روحي كنت متمسكا به، كنت بشكل أساسي أرغب وبشدة المبتعدات عن معاناة التكلف، حتى ولو بكثير من الاشمئزاز في كثير من الأحيان. إنهن ببساطة مهلكات وقاسيات غير خجولات ولا مثيرات خاضعات الي حد التواضع، وما كن يطالبن بأي متطلبات شخصية والأهم أنى لا أجد كثير العناء معهن، فلا أخسر شيئاً اطلاقاً حين يغادرن.الا أن في الوقت نفسه كنت اتوق الي امرأة لطيفة عذبة مثالية ليست على شاكلة زوجتي ،على الرغم من الثمن القاهر الذي يتوجب على دفعه. كنت ضائعا في كلا الحالين. الرجل القوي كان ليتخلى عن النوعين. لم أكن قويا لذى بقيت أتنازع بجهد مع الفكرة بحد ذاتها، ومعهن...هن النساء

له أربعة بنات وصبي واحد، كلهم يعيشون مع أمهم، ويدفع نفقتهم...أحيانا عندما يكون في المستطاع، فهو لا يعمل لأنه ببساطة يكره العمل، ولا يرضى بأن يعمل مثل بغل حتى الخمسين من العمر في وظائف حقيرة سخيفة. يتمتع بمحفظة توفر له خمسمائة دينار. كافية بقدر معيشته. تزوج زواج تقليدي من امرأة تصغره بخمسة سنين وهو في الخامسة والثلاثين، بعد أن أرتبط بخطوبة أيضا تقليدية مع واحدة سابقة من قريباته، لينفصل عنها بعد أن أكتشف خيانتها، ولأنه مؤمن بالعقاب، فقد عاقبها بأن هرس بأسنانه خاتم الخطوبة المنقوش عليه اسمها. زواجه دام خمسة عشرة سنة، يحسب انها ميتة الأن، رغم أنه ليس متأكداً، مرة بعد أن تطلقنا كلمتني في الموبايل الي أن أنتهى الرصيد، حاولت هي مرات أخرى الا أنى لم أجيبها إطلاقا حسب ما قال. يحتسي الكحول يوميا، وفي كل الأوقات. ولكن في الليل يكون أكثر من أي وقت مضى...حتى الثمالة بينما يقوم بتصفح الفيس بوك لعدة ساعات رفقة سجائر "الكاريلا"...تقريبا أرخص ما في السوق، ليست لدي فكرة على الأطلاق، وعندما سألته قال بأنه لا يعرف، فهو يدخنها لأنها الأفضل، أعرف انه لا يقول الحقيقة شأنه دائما متى تعلق الأمر بشخصه، وخاصة عندما " ايفسفس". لا يدري كم من صور نساء يراها في الليلة الواحدة، وكم من مقاطع فيديو " بورنو" يتلصص عليها، جل ما يعرفه أنه يستيقظ الصباح وراسه مدفون في "اللاب توب"، يتقيأ، ويرجع لينام. لم يكن لديه أصدقاء فقد كان يكره الأصدقاء. قائلا كم جميل نلتقي غرباء، ونفترق غرباء. معظم الناس، ما كانوا يثيرون اهتمامه، والعلاقات الانسانية عنده مخيبة بكل الأحوال. كان ثمة البهجة في الأسبوعين الأولين، ثم يفقد الطرفان الأهتمام.تسقط الأقنعة وينكشف الأشخاص على حقيقتهم: مهوسون، أغبياء، مخبولون، حاقدون، ساديون، مجرمون، المجتمع المعاصر استولد كائناته الخاصة به، كائنات يلتهم أحداها الأخر. صراعاً حتى الموت...داخل بالوعة. لا يتوانى عن توجيه اللكمات لكل من يخالفه الرأي حد العناد، حتى انه لكم أباه في يوم من الأيام، وبدون إحساس بالذنب فالغرق في الإحساس بالذنب وبدون حماية. يدفعه الي محاولة اقناع نفسه بأن الشعور بالذنب مجرد مرض من نوع ما. والرجال معدمو الإحساس بالذنب هم من أحدثوا التقدم في الحياة...الرجال الذين كانوا قادرين على الكذب، على الخداع. عصبي يتحول الي مجنون، وعنده استعداد دائما للنزاع. يكره المسدسات، السواطير، والعصي. لا يثق إلا في قبضته فهي دليل على رجولته. لسانه فاحش وبذيء. فكرته أن بعض الأخلاقيات غرضها إبقاء الناس عبيداً داخل أماكن الإنتاج، وفي دور العبادة، ودفعهم الي إطاعة الدولة. حتى ولو أن بعض المبادئ الأخلاقية الأخرى كانت ببساطة منطقية. الأمر أشبه بحديقة مليئة بالفاكهة السامة والفاكهة المأكولة، ولأننا لا تعرف إياها تقطف لتأكل وإياها لا تقرب كي تموت...إذ الأمر في غاية البساطة كلها سامة...كي لا نموت.
كقاعدة عامة لم يكن مهووساً بمظهره. يتصرف كما لو أن العالم برمته لا يقيم له وزناً، لهذا يغفل عن مراقبته ورصد هفواته في طقس بالغ التعقيد والخصوصية. لا يحمل نفسه عناء تسريح شعره، فهو أصلع منذ زمن...تقريبا منذ الولادة، وما تبقى له من أسنان اعتلى بياضها الصداء يقول انها كافية لمضغ الطعام، فخورا هو بالصَدَّئات المتبقيات، حتى وأنهن قبيحات إلا انهن شريفات فلا فرشاة أسنان ولجتهن وانتهكت عرضهن. برهانه بشأن هذا الأمر...لا روائح كريهة تنبعت من لهاثه نظرا للعفة...مثلما يقول.
 كل عيد يشيد ببقائه على قيد الحياة سنة أخرى، محدقا بوجهه المروع في المرآة، مخرجاً لسانه قائلاً: مرحباً أيها الموت، أني عشت ما يقارب ستة عقود الي الأن، لقد أتحتُ لك العديد الفرص السهلة للنيل مني، لذا يفترض أن تظفر بي منذ وقت طويل.
باستثناء العيد الأخير، فقد التقيته محبطاً مهموماً يخبرني: خائفاً.متجذرفي خوفي والرجال السيئون أمثالي حتى وهم أن امتلكوا أعلى درجات الثقة بالنفس، الا أن عدم الثقة بالذات يعمهم. للحظة بدأ يعتريني شعور بالارتباك، وأصبحت إطالة المعاناة صنف من القذارة. لم أعد أستطع ان أفقه ما الذي أصاب حياتي. لقد فقدت حنكتي. فقدت صلتي بهذا العالم، فقدت قوقعتي الصلبة الحامية. فقدت حس السخرية في مواجهة مشاكل الناس الأخرين. أريد استعادتها كلها. أرغب حاليا في أن تسير أموري بيسر. بيد أني أدري بطريقة ما انها لن تعود...فلقد مات ...ابني.
-  كيف؟
- قتلوه في مشاجرة بالرصاص. لطالما رغبت في أن أكون نكرة. يبدو هذا صعب جداً ما وددته فعلياً كان مجرد فسحة ناعمة وغامضة لأعيش فيها وأن اُترك وشأني، ولكن تأبى الأيام الا تجعل مني شخصاً مهماً يتحدث عني الأخرون.
- وما أنت فاعل؟
- رغم إمعاني في التفكير في الأمر لم أستطيع أن أفلت من أحساس بالضيق كي اتجاوزه أحتاج الي قرار...متى سأكون مستعدا له؟ أراه منطقياً... أن رجلاً يقترب من الستين في عمره، مات ابنه لن يكون قادراً على التفكير بأدنى قدر من الوضوح. حتى ولو ولج المزيد والمزيد من البحور سوف لن يعرف أكثر عنها...ان هو استطع النفاذ من الأمواج والصخور الكامنة... قد تكون التخوم وعرة أحياناً.
- وكأني بك أعرفك للمرة الأولى
- هكذا هي الأمور مع الأشخاص. كلما طالت معرفتك بهم انكشفت غرابة أطوارهم أكثر فأكثر، أحياناً تبدو غرابة أطوارهم مضحكة...هذا في البداية فقط.ثم أستدار، قطع الشارع مغادراً
- ايه.... انت الي أين ذاهب؟

التفت نحوي... لا أدرى إذا ما كان مبتسماً أو متجهماً،"فأنا لا ارتدي النَّظَّارَة ". رافعاً صوته أشتاق الي طاولة صغيرة فوقها غطاء أبيض، أجلس اليها برفقة امرأة جميلة...وبرفقتي مسدس...هذه المرة. الوادع يا.... وذهب بعيدا