الخميس، 15 نوفمبر 2018

أوراق سفر...البط و النادل و المساواة

قناة بحر من أمستردام إلى بحر الشمال...هناك يقع منتزه سابرنفودي هوتراك والميزة مناظر طبيعية على مشارف المدينة، ما يعكر بهائها بعض الطيران، ليس البط، بل الطائرات التي تجوب الفضاء في هذا الجمال.
مرافقي قال تأمل اسراب البط ، وهي تطير في السماء، تحقق معنى للمساواة فطائر البط الأول يرتفع محلقاً يفتح المجال للثاني، يشق بدوره الطريق للثالث، نشاطه يحفز الرابع، ليساعد الخامس، الذي يندفع ليدفع السادس، فيوفر ريح الطيران للسابع. حين يتعب راس المقدمة، يتراجع إلى نهاية السرب، تاركاً مكانه لأخر يصعد إلى رأس الزاوية التي لها شكل V ترسمها طيور البط في الفضاء. جميعها تمضي متبادلة الاماكن، إلى الخلف، و إلى الامام، متساوين ليس بينها من يعتقد أنه خارق لأنه في المقدمة، أو أخر أدنى لأنه يمضي في المؤخرة.

أيقظ التأمل شهوة الجوع فينا، وكان في انحناء المنتزه مطعم برازيري هالففيغ، البعد من روائح طعامه لا رجاء، دلفنا كلانا داخل البهو، و من يكون في استقبالنا اجمل من النساء، ترشدنا إلى مكاننا، اتمنى إن يطول البحث عن المكان، أتأمل قطعة المرمر تجعلني أومن بأن هناك فنان وراء جمال هذا النحت ، الذي يسحر الألباب...هذا من طرفي، لا أعرف كيف يفكر رفيقي، جلسنا في مقاعدنا، وتهيأت هي للغياب، سألتها إلى أين؟ سيأتي النادل لأخذ الطلبات، اما أنا فأتمنى لكما شهية طيبة: قالت، أما إنا فقلت يبدو إن لا حظ لنا. ابتسمت هي، واستسلمت أنا للأقدار .

جاء النادل وقدم لكلانا قائمة الطعام، ومن ضمن القائمة كان طبق البط بالبرتقال كان هو المفضل لدي في الاختيار، وما بين تقديم الخيارات كانت هناك محادثات عرفنا منها أنه
درس الفلسفة وكان صحفيًا حرًا. و لكنه عندما بدأ العمل في المطعم اكتشف أن مهنته الحقيقية كانت بين الأطباق وليس بين الأوراق... هذه شهادته.

لقد كرس نفسه مهنيا للخدمة. يعمل مثل أي شخص يوفر خدمة ؛ ولكن ، بالإضافة إلى كل ذلك ، فإنه خادم، يلبي ما يريده العميل. مهنة من هذا النوع تزعج المجتمع الفردي...قال، فلا أحد يرغب في أن يكون ماهِن، وهناك أسباب وجيهة للغاية لرفض القيام بمهام أجير. الأول والأهم هو السؤال: لماذا يجب عليّ أن أخدمك. يضيف: أن العصور الوسطى أبقت لنا الجامعة والتنوير مثلما أبقت المطعم . فالمساواة التي روائحها تعبق في قاعة المطعم هي إرث مباشر للثورة الفرنسية. فكل شخص يدخل مطعمًا يستحق نفس المعاملة ؛ ولهم نفس المجاملة، و لديهم نفس الحق في الرعاية الجيدة، بلا مفاضلة.
خلال سنتين هو قام بالتخديم على كُتاب ،اكاديميين ،صحفيين ومذيعين ،شعراء ، فلاسفة، محررين ومنتجين من رؤساء برمجة، إلى رؤساء أحزاب أحيانًا لمدى الحياة، الحائزين على جائزة نوبل، المصرفيين، عمال صلب .و من أراد أن يفاجئ شريك حياته، واطفال يهتمون لآبائهم في سنوات لاحقة، موردي اللحوم، عاهرات الزوايا اللائي يمقتن الثوم المعمر، الفاسدين الذين سرقوا المال من الخزينة العامة، والتجار الذين يريدون ابهار العملاء المحتملين، والناس المقعدين في الكراسي المتحركة، و كهنة وأمراء، والناس الذين قاموا بتسخين فحم الكوك في الحمام، لعروسين ... ولا ننسى المهندسين المعماريين. 
هؤلاء كلهم الذين يعتقدون بأنهم مهمين ، هم على نفس على الطاولة متساويين ، الجميع ارمقهم بنفس العينين. ونفس المعاملة أمامي يستحقون .

يقول من الرائع أن تكون قادراً على خدمة السياسي الذي ينتظر فقط صورته عنوان على غلاف الصحيفة ، و عاشق يتابع الوجوه أثناء انتظار عشيقته. بغض النظر عن كل شيء ، يملكان الحق. والمساواة التي يتم شهيقها في غرفة المطعم فريدة من نوعها والنادل هو ضامنها. لا ينبغي أبدا أن تؤخذ على أنها أمر مسلم به. هو يحارب يوميا بطريقة ما... بطريقة هادئة جدا.
جميعنا على الطاولة في صورنا متشابهون. ما يعتمر دواخلنا، لا يهم النادل ، ما يراه فينا بشر كنا ، حيوانات ناطقة، أو سياسيين. الجميع متساوون أمام النادل، من فينا لا يتوقع تلك المساواة الرائعة والمجردة ...قبل الموت؟.
الشيء الوحيد الذي يطلب من العميل هو أنه يدفع. ليس لأننا فئران أو مهتمون! نحن علينا أيضا أن نأكل و نعيش، ولأن كما هي الأمور ، كل شيء يكلف مالا. دفعنا الفاتورة، وما تبقى من قيمتها كانت اكرامية للنادل، الذي ودعنا حتى الباب.

أشارت لمرافقي بأن اليوم يبدو أنه اليوم العالمي للمساواة في بلاد ساوت ايضًا بين المثليين سلميا، بما أن هناك فرصية تاريخية تشير إلى أنه على مر التاريخ، وفي عصور اتساع هوة عدم المساواة تم تصحيح المسارات من قبل واحد من اربعة وسائل جاهزة للاستواء: الحرب، الثورة، انهيار الدولة، و الأوبئة.و هذا ما يدفعني إلى سؤال لماذا اعتنق قبل سبعمائة عام قبل ميلاد المسيح، الأسبارطيين الأثينيين الأقدمين المساواة وسعوا إلى وضعها موضع التنفيذ، و لماذا اضطرت حضارة الفراعنة العريقة منذ 3000 سنة إلى دفن موتاهم من خلال التوابيت اليدوية أو في توابيت مصنّعة بطريقة رديئة ، و لماذا تصطف بقايا الطبقة الأرستقراطية الرومانية للحصول على إعانات من البابا ،وخلفاء المايا لماذا عالجوا الرؤساء والعامة بنفس النظام الغذائي ، وما هو السبب الذي جعل المزارع المتواضعة في مصر البيزنطية و الإسلامية تكسب .
الجواب عند البط والنادل و هولندا ...المساواة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق