الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

أوراق سفر...مغنيو ريغا

براح بارد، و وجوه باردة، يتولد عندك إنطباع ، أن سكانها منغلقون ، لا يثقون في الغريب، و قد جربوا لمرة، إعطاء الثقة في القنوات المحاطة بالمدينة لحمايتهم ، إلا املهم خاب، بعد أن اصاب الروس منهم مكمن ، صار عذرهم يمكن أن يُقبل و يُفهم بعد أن دُنِست ريغا عاصمتهم .ولكن وراء هذا البرود هناك دفء ، و هناك حميمية. كل ما يحتاجه المرء أن يُرغم العواطف على النزول إليه أو أن يهم هو إليها بالصعود، ليجد طيوف من الألوان قد لونت المحيا سطعت مكان الشمس الغائبة، يقال هي تلوذ بأحد الغيوم...تتدفء.

في باريس الشمال لمحات من زخارف معمارية خيالية. تم بناء نصف مباني هذه المدينة الساحلية على طراز فن الآرت نوفو، هنا لا تستطيع أن تفصل ريغا عن لاتفيا ، ولا يمكن أن تفصل لاتفيا، عن مسابقات الغناء الجماعية في جوقات.جل السكان صغار كبار، يافعين و كهول، رجالاً و نساء ، بعد ساعات الدوام في المساءات ، ينطلقون إلى القاعات ، حيث يغنون، يوقدون الكلمات في لهيب النغمات ، تشتعل المشاعر بلظى العواطف ، ينصهر الجليد ، و يذوب، تجري انهار الحماواة ، تنطلق الحناجر بالتراتيل، تسلك السماء، سبيل، بصلاة الحب، ترقص الغيوم و تتباعد ... أخيرا تسعر الشمس، تنهض، تتاؤب، و تبزغ .

المنازل الخشبية عنوان الهوية، أهملت من الشيوعية ما يقارب نصف قرن، أو خمسة عقود ، فهي شيء من البرجوازية ، العدو اللدود للثورة البلشفية المستنهضة بسواعد الطبقات العمالية، الذين يستحقون العيش فيها، تقسم بينهم، تتحول الغرف إلى شقق ، و الحمامات مشاركة بينهم، و المعيشة تضامنية. يبهت فيها السطوع، لا تولع الشموع، يبكي فيها الخشب بدموع المطر، حزنا عليها، و حزنا على أهلها، أما ماتوا، و اما غادروا، و إما نفوا إلى سهوب سيبيريا، ومن بقى منهم على قيد الحياة، إليها عادوا يمدونها بالحياة، فترجع زاهية بهية بعد المعاناة.

كما أن للبيوت اسرار، فإن البحار في ريغا أيضاً اسرار، لن تعرف أن كان قدرك، أما أنت كنت له الاقدار، إما إن تهديه نفسك، أو يهديك شيء من الحظ مخبى في حجر كهرمان.هذه هي مختصر العلاقة بينك وبين بحر البلطيق و شواطئها الرملية اين قضى بريجنيف وخروشوف عطلتهم الصيفية. خرافتها مع البحر تقول كن أربعة شقيقات، لاتفيا، لتوانيا، استونيا و بروسيا الشرقية، الثلاثة الاولى اشتعلت فيهم نار الغيرة، لأن البحر عشق الأخيرة بروسيا ، و تعاظم جنونه بها ، فأهدى لها كل ما في مكنونه من حجر القمر، تزينت به نسائها فصرن الاجمل. ارسلت لتوانيا غيومها كي تححب القمر، و اغرت استونيا رعدها حتى ُيخيف البحر، و ضاجعت لاتفيا نهرها داوجفا يعكر ازرقه. تحول إلى وحش و اختفت بروسيا، منهم من يقول أنها هربت ، وهناك من يقول انها مع يم أخر اقترنت، ولكن الحقيقة هي أن روسيا اغرت الشقيقات الثلاثة فاستسلمن لها ضمتهم و ابتلعت بروسيا. إلى يومنا هذا لا وجود لبروسيا، ولا لنسائها.

نساء باريس الشمال ليست كنساء موسكو يتبهرجن بالذهب و الفضة، هن يكتفين فقط بالبهاء، حتى و انهن بدينات، ذوات شهية مفتوحة لفطائر البطاطس، و حساء الشمندر، وكيف لا ولديهن أكبر سوق في أوروبا. لسن مثيرات كالروسيات. جديات يتمتعن بمهارة كبيرة في فن استنشاق الهراء، من حاول التودد إلى احدهن وقال لها أنتٍ جدًا جميلة ، ستعرف في الحال بأنه أجنبي عن الديار يتهم بالغباء، و مع هذا فالنساء براغماتيات و فخورات للغاية، لا يحتاجن لسؤال من اين انت قدمت؟، أصواتهن كهدير الموج، ليس كموسيقى هادئة، أن ناقشتهن في النسوية، فأن اللاتفية تضع ورائها كل ارائها، و تقدم أمامها فقط سيمون دي بوفوار، متعلمات مثقفات اعدادهن اكثر من الرجال ، و يفوقهن اعماراً في الحياة، لهذا هن يخسرن غالباً الحب، ومع هذا قد يحتاجن لرجل لا زال يحتفظ بثقافة مشهورة تشجع السلوكيات المحفوفة بالمخاطر ، مثل القيادة السريعة والتدخين وخاصة شرب الخمر ... وربما لا.

كثير منهم يرتدون الجينز، و قليل منا يعرفون لولا ريغا لما كان هناك هذا الازرق السميك، فلقد وُلد الخياط خاكوب دبليو ديفيس فيها، هاجر العام 1854من ضواحيها إلى الولايات المتحدة عندما كان شابًا، سألته أحد العميلات العام 1870ليصنع زوجًا من السراويل القوية لزوجها الحطاب، بعد هذا التاريخ بعامين، وبمساعدة من ليفي شتراوس ، يحصل على براءة اختراع المنتج.

الكل ربما يغادر مع قضائه، ما عدا طائر بالتا... لا، هو باقي طالما كانت هذه الارض ببحيراتها المائية تنتمى إلى سماه و فضاءه ، وهو لها شعار على العمل و الجدية .

السبت، 24 نوفمبر 2018

ثلاثة نساء ورجل ...حكاية ليبية

ولأنه يحب اكتشاف المجهول، غطس في بحر التحليلات، ولأنه احب النساء، ابتعد عن الاصدقاء واختار الصديقات،بدهاء ...ليكن حبيبات، وحتى تكتمل الفكرة،ويحصل على النتائج، تورط في الزيجات،ففي بلادي...الزواج يسبق الحب ، خلاف هذا تأتي منكرا، تتعدى على الحرمات، متعمدًا الاثام والفاحشات،ولكي لا يوصف بأنه أبو المنكرات،أعود فأقول أنه تورط في الزيجات.

ولأنه أمن مرة أخرى...بأن النساء مع الرجال متساويات، أختار الاولى لتعلقها الاول بالحريات، وأثناء نقاش محتدم يتعلق بالحقوق والواجبات، وبينما وهو جالس يتحدث بهدوء،واضعا رجلا على رجل، مستمتعًا بالنقاش،و بتلك الحوارات، وبين غمضة عين وأخرى، ينزل عليه شيئا،لم يستطيع أن يتبينه،فلقد عم الظلام مكان الضوء،فقال من المؤكد انها احدى الصاعقات، يكتشف بعد حين،بأن هذه الصاعقة لم تكن إلا صفعة من اقوى الصفعات،ليتحول الجدل الديمقراطي الي قمع...لالالالالا،بل إلى أم المعارك بعد تصاعد الازمات،مترافقة مع فتح قنوات من افواهما تنطلق منها كل شعارات السباب واللعنات ،الا التكبيرات فالصراحة انها لم تكن حربا دينية ،ولكنها كانت حرب اعتبارات استعملا فيها كل الاسلحة الخفيفة من نطح بالرؤوس،تقطيع بالأظافر،كدم بالتيروات1 ،تبادلا بالقبضات،تطاير للدفلات 2ولكن للحقيقة،فقد كانا حضاريين،وملتزمين بالقوانين والأدبيات،فلم يعتمدا على الاسلحة الثقيلة مثل الاحزمة والهراوات،أنزل كل منهما علم الاخر...أغلقا السفارات،لتتدخل وفود الصلح،ولكن بدون جدوى فقد قطعت العلاقات،و سُجل في التأريخ قطيعة من اطول القطيعات،لو حاول الود فيها احيانا أن يرفع رأسه،سرعان ما قطعاه بسيوف الكراهية المشرعات...أين منها كراهية التعصب للديانات.

أما الثانية،فلقد أصر أن تكون خارجة من بحر الظلمات،مراهنا على نظراتها المعلقة به،وترقيص الحجبات3،وسجنها طول الوقت في المطبخ ،تحاول أن تبتدع خليط من السيمفونيات بين الطناجر4 والطبخات،مصاحبة بإيقاع تراثي من الزغاريد... ومرة مرة تصفيق،و لوى بالخصر ... لا يملك هو أن يقول ،الا فقط ...يا سيدي على الرقصات،لا تتحدث إلا عن الكنس والتنشيف ومسح الغبار،وضمان الشكمجات5 ،هوايتها الوحيدة التسوق...وخاصة انواع الصابون والمنظفات،متهكمة على كل النساء الخامرات6 ،ولهذا السبب ،هي دائما كانت تشتكي وتستغرب، كيف لا يصفها ،بأنها أحدى الحوريات،حتى ان رمت الكثير من الاشياء في القمامات ،باعتبارها عفن يصنع جبل من الغبار،فلا داعي لهذه الحاجيات،ليكتشف في أحد الايام ان من ضمن هذه الحاجيات،شهادة بكالوريوس حرص طول العمر أن يحتفظ بها،وحرصت هي ان تكون مجرد ورقة من الوريقات،طفح الكيل،وبلغ السيل الزبى،ولعن الاكتشافات،ليسبق الريح برجليه،يصم اذانيه عن كل التوسلات،رافضا وبشدة كل الوساطات وكل المفاوضات،بأسلوب متأدب ،تأدب الامير الرفيع البديع ، كما قال محمود درويش في واحدة من العبارات ،متمنيا لها أيام سعيدة... في اللمات7 .

أما ثالث الاكتشافات،فقال علي بالمثقفات ،فهن لن يحتجن لصقل او تعليمات،فصار يبحث عن افضلهن بعيون الفتشات8 ،الي أن عثر وبالتأكيد حسب ما أفاده به ظنه ،على أحدى الخيرات،ولأنه مازال يحب المغامرات،ويحسب نفسه مثقفا يرتوي من كل منابع الثقافات،وبالأخص وبدون ملل صفحات التواصل الاجتماعي ،و خياله الذي لا يفارق أبدا خُيَلائه بأنه احد فلتات زمانه في اختراع الشعر،و نظم القصائد،التي لا تجعل صاحبها ينام ،فهوايته إشعار الاخرين بالنكد والحزن ،والاستطياب بسماع الاهات والتنهدات ،فصار يكتب ما يطلق عليه شعر،مجتهدا الساعات وهو يبحث فيها عن القافيات،حتى يرتبها على بعضها البعض في وريقات ملونة،مستغلا اما سذاجة أو مجاملة بعض القراء، و عديد القارئات ،فهكي تبي التحبريكات9 ،فالنحل لن يرى إلا زاهية الوريدات10 ،ليغمض عينيه ،ويسقط كحجر من العليات...وهكذا كان...نجح اختباره،فلقد تذوقت شعره...أهههههه مال كيف!11 لأنها مثقفة من المثقفات،اهداها كتابا يسمى "الجيل الخائب"حتى يسهل عليها معرفة شخصيته،فهو صاحب نفسية من أشد النفسيات تعقيدا،وبهذا يسهل عليها أحدى أعضل المشكلات،عبر تمريره لها ببعض الحجيبات 12،فهذه المرة يريد أن أن يرى الصحيفة حلوة ونظيفة من غير كعكات13،وبقدر ما كان هو يستعجل المناقشة حتى يعرف النتيجة،كانت هي مستعجلة على عقد الصفقات،وحسب رأيها ،فالصحيفة هي عقد الزواج،والشروط المذاعة من مقدم ومؤخر،والأخرى المتفق عليها في السر هي أهم التقييمات ،ولا يهم ان كانت ذو تفاصيل طالما هي مهمات وباهيات14،ولأنه هبل وفرحان بهباله 15 ،أيدها في رأيها،وكيف لا!وهي مثقفة المثقفات،والحوار لن يفسد للود قَضِيَّات 16 ،ليكتشف سريعا بسرعة انجاب الشجرة للثمرات ،بأن الكتاب الذي أهداه إياها كان ولازال ملتصق الصفحات،لم يُفتح ولم يُقرأ،وانزوى لينام في المخيلات،وعند سؤاله لها عن السبب، قُبل بعاصفة من الرديح17،والتصفيق،المصاحب بضربات متتالية على الفخذين،وبالتحديد الفخذ الايسر،فلقد كانت أحدى العسراوات،وبأبيات كانت محكمة القافية،مليئة بالسجع والجناس والطباق والتشبيه وكل اصناف دروس البلاغة،أين منها المعلقات،وبشرر يتطاير من العينين،واستيكات 18من التحقير والاستهزاء،مترافقة بسؤال من أنتم !...ما أنتم الا حشرات...بيني وبينكم ،سكر فمك19 ،فقد تذكر فيما سبق أحد الصفعات،فإذا كانت صفعة الحرية مؤلمة،فما بالك بصفعة المثقفات...حط الساكو20 فوق كتفه وأعطاها يابوي21.

ومنذ ذاك اليوم وأنا مازال أبحث عنه،وهو مازال يبحث عن النساء والحبيبات،فهو لم يقتنع ابدا ،بأن ليس له نصيب إلا مع الحرفات22 ،يموت الزمار وإصبعه يلعب على النايات..إياكم أن تعتقدوا بأن بطل القصة هو أنا،فمن شاء فليصدق،ومن شاء فليحسبني كاذب ،ويحسبها أبيض الكذبات .

حاشية

1- ضرب بالأقدام بطريقة كاتمة للصوت

2- قذف اللعاب والتفنن في تطيره الي مسافة بعيدة،متزامن مع صوت يخرج من الفم يشبه دق طبول الحرب ( أنصحكم بعدم محاولة تجربته،لأنه ببساطة تضيعون وقتكم،فالعميلة تحتاج الي ساعات طويلة من التدريب،ولا يمكن اتقانها إلا متى كان هذا التدريب منذ الصغر،والأفضل لو كانت موهبة اكتسبت بالوراثة).

3- رفع الحواجب الي اعلى وأسفل بحركة ارادية،تكون اما للإغراء،أو للتهديد ،على حسب موقع الاعراب،وعلى حسب الحواجب كبيرها من صغيرها (سبحان الله على التناقض).

4- جمع طنجرة،ببساطة "وعاء الطبخ".يستعمل للطبخ،أيضا يمكن الاستعانة به في الحماية

5- ترتيب خزانة الملابس.

6- من لفظ "الخمر والتخمر"غير النظيفات.

7- يطلق هذا اللفظ على الاجتماع النسوي، بغرض تبادل احاديث الثرثرة.والقيل والقال،ولا يخلو الامر من شرط أساسي الا وهو التباهي.

8- المرأة المتخصصة في البحث عن العروس.

9- التفنن في خلق شيء،بتجميع اطرافه ،وعادة ما يطلق هذا اللفظ على البراعة في المؤامرات والدسائس،والإبداع في حبكها بحيث تكون ناجحة.أما هكي تبي"تعني هكذا تحتاج"

10- جمع وردة

11- كلمة توصف الثقة بالنفس والزهو في فعل أمر ما.

12- جمع حجاب،وهنا يقصد به الاوراق الصغيرة،التي تكتب فيها المعلومات ليغش منها الطالب خلال الامتحانات.

13- شهادة بدرجات نتائج المواد الدراسية،وعادة ما درج على رسم حلقة فيها تشبه "الكعكة" باللون الاحمر تشير الي الدرجة التي لم تتجاوز المتوسط،واعتبر صاحبها راسبا.وقد كان الاطفال الناجحون يخرجون من المدرسة،وهم يرفعون صحائفهم باليد اليمنى،وهم ينشدون"الصحيفة حلوة ونظيفة،اشارة الي عدم وجود حلقات حمراء،اما الاخرون،فويلا للآخرين،يمشون بثقل شديد ،مطأطئين الرؤوس نتيجة الهم الكبير،والخجل العظيم،ووساوس العقاب السعير،من الاب،الذي لا يملك الا الاستجابة الي الي وصف الام وهي تصف الراسب،بأنه جلب العار للعائلة،وسيجعل رأسها ممرغ في التراب أمام قرينتها. 

14- جمع مهم،وجمع بهاء"تعبر عن القبول والرضاء"

15- مجنون وسعيد بجنونه

16- جمع قضية

17- نوع من هز الخصر ،مصاحب بحركات دائرية من اليد،والحان للتهكم والسخرية ،تشكل في مجملها لوحة فنية تقليدية متناسقة ،تعبر عن الثبور وعظائم الامور،والوعد والوعيد.

18- حزمات

19- اغلق فمه قهرا،حتى يمتنع عن الكلام.

20- كلمة ايطالية تعني الكيس"كيس الملابس"مازال الكثير من الليبيين يفضلونه عن الحقيبة ،في السفر،لتعب حمله،أو لسهولة الحمل،لازالت لا أعرف بالضبط.

21- اطلق ساقيك للريح،اما بوي فهي كلمة بالليبي تعني "بابا"،الوالد

22- المرأة الصعبة المراس، صاحبة الاستعداد الكبير للأذى.

الخميس، 22 نوفمبر 2018

اوراق سفر...هنود موريشيوس

سارت الحافلة امامنا مزهوة تتمخطر و تتمهل مرة على ظهرها و اخرى على جوانبها على طول الطريق بين مراتع السافانا ونحن نزحف في أعقابها. وراءنا ، كثيرون آخرون يسيرون كما يسير المريض. ليس هناك أي تحدي أو أية محاولة لتجاوز الحافلة.
تعتريك الحيرة أكثر من الدهشة، متى عرفت أن حوالي 63٪ من سكان موريشيوس هم في الاصل هنود ، تلاشت هنديتهم؟ فلا يوجد أي شخص يطلق النار من البقع القرمزية، ولا يوجد من يتبول على الجدران بمحاذة الطريق؟ تسافر عبر الجزيرة ، لا ترى أي أكوام من القمامة. ولا أحد يتحرش بالنساء، يحاول أن يلتمس منهن جزء من الاجزاء . يشعرن بالأمان الكافي وهن يستأجرن سيارات الأجرة وحدهن في جميع أنحاء البلاد ... آمنة حتى بما يكفي للإبحار إلى جزيرة أخرى في زورق آلي متى كان الركاب الآخرون هم المراكبيين وسط حدائق الياقوت والفيروز الذي يذوب ويختلط في البحر تحت سماء زرقاء مثل جناح الرفراف. معابر المياه واضحة بما فيه الكفاية لرؤية الأسماك التي تتسلل إلى الشعب المرجانية. ولا توجد أية ملامح على قمامة عائمة، او ما يعكر صفو البيئة

السكان المنحدرون من أصل هندي في موريشيوس هم العمال القادرين على العمل والذين هاجروا إلى هناك بعد إلغاء العبودية في العام 1835.لسان حالهم يقول "العمل المنهك أقل وحشية من العبودية". لم يُكره المهاجرون ولم يخطفوا ، اختاروا المجيء. برغم الظروف القاسية التي غالباً ما افقدتهم الاتصال مع الأقارب ، لم يتم سجنهم أو حرمانهم من تقاليدهم. بحلول عشرينيات القرن العشرين ، استقر حوالي خمسة أشخاص من الهند في موريشيوس. اليوم ، فأن الطرق السريعة تخترق حقول قصب السكر الهادئة تحت اقواس قزح الملونة . ولكن مجرد إلقاء نظرة على بقعة من أرض الغابات ستدرك كم العذاب الذي كان ناتج من اختراق الحقول المنيعة في الغابة الاستوائية.
جرب عديد من الأحفاد المتعثرين أن يعودوا إلى جذورهم، قائلين أن وضع القدم على أرض أسلاف المرء هي تجربة عاطفية إلى حد كبير، ولكن يبدو أن الكثيرين خاب أملهم، لم يصادفوا إلا الجوع، و أقارب يعيشون في الفقر. أكواخهم شبيهة بآثار من معسكرات العمل في القرن التاسع عشر في موريشيوس. أحدهم اشار: الان أعرف كيف اقدر حظي "إذا لم تكن عائلتي قد وصلت إلى موريشيوس ، لربّما كنت سأكون سائق التعاسة في الهند".

ليسوا الهنود هم المهاجرون الوحيدون إلى موريشيوس في القرن التاسع عشر ، فقد جاء خلق كثير من مدغشقر وموزامبيق و حتى الصين . من المدهش أن ترى كيف ينتقلون بين اللغات بطلاقة ، من الفرنسية إلى الكريولية إلى الإنجليزية ، حتى الهندية. و خاصة في سيارات الأجرة، التي تطوف بك بين معابد هن دوسية في كل مكان...حتى الريف،تجتاز مبنى بصليب خشبي بسيط، و سقف قش تفجر في كثير من الأحيان ، بفعل الأعاصير .تحت السقف كنيسة صغيرة هادئة تنبعث منها رائحة التبن. في الخارج ، وأسفل شجرة اللوز ، يتم تثبيت تمثال بالالوان لمريم العذراء و يسوع المسيح.تصعد  من الكنيسة إلى كهف لو مورن.استخدمه العبيد الهاربون للاختباء. وفي اول ايام الربيع من العام 1835 ، أحد أفراد الشرطة يتعقب العبيد المختبئين ، و يخبرهم انهم في خط النهاية، يقفز المذعورين إلى موتهم من أعلى الجرف، وتنجح حيلة اللئيم.

على مسافة بعيدة حيث تنقطع المباني، و تختفي.تحيط تلال بركانية شائكة ، هناك تبدو السماء أبرح، والقمر أكبر يتدنى بين مليار نجم ،وكأنه عليك يسلم ، وبك يرحب، و لكن المؤسف أن الوان اللوحة تفسد، و الحال يتغير ، و القصة ابراج انفوتيتش ، فالحكومة تريد من موريشيوس أن تتحول إلى سنغافورة .يستجيب لهذاء النداء الجنوب أفريقيون، يقومون ببناء فيلات وأندية فاخرة لاستخدامها حصريًا. يشتكي السكان المحليون من أن شواطئهم قد بدأت في الانحسار ، و كذلك أفضل منتجاتها...الاسماك.

 غير بعيد عن المستشفى، و فندق الخمسة نجوم ، طيور تحوم على سقف منزل رئيس الوزراء ، فيه لا يدخل القلق. فالمساء بارد، و موسيقى الجاز تزدحم لشخص ما ، و شرفات الحديقة مستعصية عن العموم، و الموعد فنون ، و كثير من طعام، رقص و جنون جميل احتفاء بعيد الوطن... هل يا ترى يمكن أن يكون عيد للفقراء؟

السبت، 17 نوفمبر 2018

ليست كل الأسئلة تحتمل إجابات

افترقا هي لم تعرف السبب، امها أحجمت عن الإجابة تنهرها برفق، و ابوها غادر المكان، بعدما وضع ورقة تحت وسادتها احتوت فقط على ستة كلمات ...لم نشاء، و لكن الحظ شاء.
رتبت الام موعد لللقاء ، بين ابنتها و زوج المستقبل المقترح من قبلها، لم تستشير ابنتها، ولم تنتظر منها جواب، مجرد انصياع للرغبات، فهي ادرى بمصلحتها.
استقلت الابنة الحافلة متوجهة حيث العائلة المفترض أن تنضم لها، ستبقى في ضيافتهم ثلاثة ليال، فرصة كافية حتى تتعرف عليه، لعله يُغرم بها، و تلقى منه قبول، أما هي فتبركت برضاء الام...هذا فقط الذي يهمها، اكثر من أن يفهمها.

مقعدها كان بجانب امرأة، تبادلت الحديث معها، تقصيرًا للمسافات، لاحظت في اذنها قرط، مع أنها لا يوجد عندها قرط في الاخرى، سألتها لماذا؟
ليست كل الأسئلة تحتمل إجابات :قالت. و غادرت بلا وداع.
وما بقى منها على المقعد جالس فقط القرط.

أمسكت بالقرط وصارت تبحث بعينيها عن صاحبته، يبدو أنها نزلت في المحطة...قال السائق.، طلبت منه التريَّث، حتى تأخذ حقيبتها، و تنزل من الحافلة عساها أن تلحق بها. فتشت كل الاركناء، الزاويا، والانحناء، فقد أي أثر لها، استفسرت عن موعد الحافلة الأخرى الذاهبة لمقصدها، بعد ثلاثة ساعات اجابها مشرف المحطة.

وضعت القرط في محفظتها، و وضعت المحفظة في حقيبتها،خرجت من المحطة تستكشف ما حولها، حتى موعد الرحلة. قطعت مسافات، بخطوات متمهلة، وهي تجر حقيبتها، لفت نظرها كوخ خشبي زاهي الالوان، تتبعت حدسها، قائلة في سرها هناك استريح، واشرب شيء من القهوة. و لكن لا مقاعد ولا مناضد، ولا مظلات، فقط سحابات تترافق في سفر مع غيوم بالسماء ، تبحث أين تفرغ حمولتها من القطر . و بحب الفضول تلصلصت من ثقب بالباب الذي يُفتح ...نعم هل استطيع أن أقدم لكٍ خدمة :قال
لا أنا أبحث عن مساحة صغيرة تبعدني عن المطر، كي لا ابتل :قالت
المطر كالبكاء، لا مهرب منه ولا احتماء، مكتفيًا بهذا الجواب دخل و اقفل الباب.
التصقت هي بالباب ما امكنها في ذلك سبيل، لحظات يُفتح الباب مرة اخرى، تفتقد السند و تقع.
أنا أسف جدًا، اريد أن ادعوك إلى مرسمي لعلك من المطر تحتمي، طلب يدها حتى تنتصب، تدخل و ترغب في شراب ساخن يدخل الدفء أين سكن البرد.

ترتشف القهوة و تشاهد لوحات اكتملت و أخرى لم تكتمل، سألته لماذا؟. فقال ليست كل الأسئلة تحتمل إجابات، أصر أن يوصلها إلى المحطة طالما لازال ينسكب الماء.

ركبت الحافلة، ولا زال حدسها يقول لها بأن مرة أخرى ستراه. صدق حدسها، التقت به في حفل خطوبتها، فهو صديق الذي من المفترض سيكون قرينها، سلمت عليه، و سلم عليها، و طلبت منه البقاء....و لكنه غادر.

دعها أباها يستفسر منها على حيرتها، فقد رآها تائهة، و وهح لحزن طفيف يشع من عينيها، ما الخبر يا ابنتي: سأل، أن كنتِ تحبيه اتبعيه، و اسمعي لغناء قلبكِ، و لا تخسريه، كما خسرت إنا، يوم ما التقيت نجمتي، لم اكلمها، و لم تكلمني، إعترنا الخجل فاكتفينا بالنظر، سُرت العيون، و تحطمت القلوب، و للذكرى أعطيتها مثل هذا القرط، بينما احتفظت هي بنسخته الأخرى .
هل هذه هي الأخرى يا ابي؟
نعم يا ابنتي، أين وجدتهِ؟
معها يا ابي.
قال: هي إشارة، علامة من علامات القدر و المصير. امضي حيث تسعدين.بعد أن البسهُ لها.

ارتمت في حضنه، ارتسمت بسمة على الشفاه، قدرها و قدره ، رأى أقراطها، رأت امرأة جُسِدت في لوحة، ترتدي اقراطها، نظرت إلى من صار حياتها.
إنه أمي أجاب...ماتت منذ عَشْرٍ سنيين.

الخميس، 15 نوفمبر 2018

أوراق سفر...البط و النادل و المساواة

قناة بحر من أمستردام إلى بحر الشمال...هناك يقع منتزه سابرنفودي هوتراك والميزة مناظر طبيعية على مشارف المدينة، ما يعكر بهائها بعض الطيران، ليس البط، بل الطائرات التي تجوب الفضاء في هذا الجمال.
مرافقي قال تأمل اسراب البط ، وهي تطير في السماء، تحقق معنى للمساواة فطائر البط الأول يرتفع محلقاً يفتح المجال للثاني، يشق بدوره الطريق للثالث، نشاطه يحفز الرابع، ليساعد الخامس، الذي يندفع ليدفع السادس، فيوفر ريح الطيران للسابع. حين يتعب راس المقدمة، يتراجع إلى نهاية السرب، تاركاً مكانه لأخر يصعد إلى رأس الزاوية التي لها شكل V ترسمها طيور البط في الفضاء. جميعها تمضي متبادلة الاماكن، إلى الخلف، و إلى الامام، متساوين ليس بينها من يعتقد أنه خارق لأنه في المقدمة، أو أخر أدنى لأنه يمضي في المؤخرة.

أيقظ التأمل شهوة الجوع فينا، وكان في انحناء المنتزه مطعم برازيري هالففيغ، البعد من روائح طعامه لا رجاء، دلفنا كلانا داخل البهو، و من يكون في استقبالنا اجمل من النساء، ترشدنا إلى مكاننا، اتمنى إن يطول البحث عن المكان، أتأمل قطعة المرمر تجعلني أومن بأن هناك فنان وراء جمال هذا النحت ، الذي يسحر الألباب...هذا من طرفي، لا أعرف كيف يفكر رفيقي، جلسنا في مقاعدنا، وتهيأت هي للغياب، سألتها إلى أين؟ سيأتي النادل لأخذ الطلبات، اما أنا فأتمنى لكما شهية طيبة: قالت، أما إنا فقلت يبدو إن لا حظ لنا. ابتسمت هي، واستسلمت أنا للأقدار .

جاء النادل وقدم لكلانا قائمة الطعام، ومن ضمن القائمة كان طبق البط بالبرتقال كان هو المفضل لدي في الاختيار، وما بين تقديم الخيارات كانت هناك محادثات عرفنا منها أنه
درس الفلسفة وكان صحفيًا حرًا. و لكنه عندما بدأ العمل في المطعم اكتشف أن مهنته الحقيقية كانت بين الأطباق وليس بين الأوراق... هذه شهادته.

لقد كرس نفسه مهنيا للخدمة. يعمل مثل أي شخص يوفر خدمة ؛ ولكن ، بالإضافة إلى كل ذلك ، فإنه خادم، يلبي ما يريده العميل. مهنة من هذا النوع تزعج المجتمع الفردي...قال، فلا أحد يرغب في أن يكون ماهِن، وهناك أسباب وجيهة للغاية لرفض القيام بمهام أجير. الأول والأهم هو السؤال: لماذا يجب عليّ أن أخدمك. يضيف: أن العصور الوسطى أبقت لنا الجامعة والتنوير مثلما أبقت المطعم . فالمساواة التي روائحها تعبق في قاعة المطعم هي إرث مباشر للثورة الفرنسية. فكل شخص يدخل مطعمًا يستحق نفس المعاملة ؛ ولهم نفس المجاملة، و لديهم نفس الحق في الرعاية الجيدة، بلا مفاضلة.
خلال سنتين هو قام بالتخديم على كُتاب ،اكاديميين ،صحفيين ومذيعين ،شعراء ، فلاسفة، محررين ومنتجين من رؤساء برمجة، إلى رؤساء أحزاب أحيانًا لمدى الحياة، الحائزين على جائزة نوبل، المصرفيين، عمال صلب .و من أراد أن يفاجئ شريك حياته، واطفال يهتمون لآبائهم في سنوات لاحقة، موردي اللحوم، عاهرات الزوايا اللائي يمقتن الثوم المعمر، الفاسدين الذين سرقوا المال من الخزينة العامة، والتجار الذين يريدون ابهار العملاء المحتملين، والناس المقعدين في الكراسي المتحركة، و كهنة وأمراء، والناس الذين قاموا بتسخين فحم الكوك في الحمام، لعروسين ... ولا ننسى المهندسين المعماريين. 
هؤلاء كلهم الذين يعتقدون بأنهم مهمين ، هم على نفس على الطاولة متساويين ، الجميع ارمقهم بنفس العينين. ونفس المعاملة أمامي يستحقون .

يقول من الرائع أن تكون قادراً على خدمة السياسي الذي ينتظر فقط صورته عنوان على غلاف الصحيفة ، و عاشق يتابع الوجوه أثناء انتظار عشيقته. بغض النظر عن كل شيء ، يملكان الحق. والمساواة التي يتم شهيقها في غرفة المطعم فريدة من نوعها والنادل هو ضامنها. لا ينبغي أبدا أن تؤخذ على أنها أمر مسلم به. هو يحارب يوميا بطريقة ما... بطريقة هادئة جدا.
جميعنا على الطاولة في صورنا متشابهون. ما يعتمر دواخلنا، لا يهم النادل ، ما يراه فينا بشر كنا ، حيوانات ناطقة، أو سياسيين. الجميع متساوون أمام النادل، من فينا لا يتوقع تلك المساواة الرائعة والمجردة ...قبل الموت؟.
الشيء الوحيد الذي يطلب من العميل هو أنه يدفع. ليس لأننا فئران أو مهتمون! نحن علينا أيضا أن نأكل و نعيش، ولأن كما هي الأمور ، كل شيء يكلف مالا. دفعنا الفاتورة، وما تبقى من قيمتها كانت اكرامية للنادل، الذي ودعنا حتى الباب.

أشارت لمرافقي بأن اليوم يبدو أنه اليوم العالمي للمساواة في بلاد ساوت ايضًا بين المثليين سلميا، بما أن هناك فرصية تاريخية تشير إلى أنه على مر التاريخ، وفي عصور اتساع هوة عدم المساواة تم تصحيح المسارات من قبل واحد من اربعة وسائل جاهزة للاستواء: الحرب، الثورة، انهيار الدولة، و الأوبئة.و هذا ما يدفعني إلى سؤال لماذا اعتنق قبل سبعمائة عام قبل ميلاد المسيح، الأسبارطيين الأثينيين الأقدمين المساواة وسعوا إلى وضعها موضع التنفيذ، و لماذا اضطرت حضارة الفراعنة العريقة منذ 3000 سنة إلى دفن موتاهم من خلال التوابيت اليدوية أو في توابيت مصنّعة بطريقة رديئة ، و لماذا تصطف بقايا الطبقة الأرستقراطية الرومانية للحصول على إعانات من البابا ،وخلفاء المايا لماذا عالجوا الرؤساء والعامة بنفس النظام الغذائي ، وما هو السبب الذي جعل المزارع المتواضعة في مصر البيزنطية و الإسلامية تكسب .
الجواب عند البط والنادل و هولندا ...المساواة.

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

أوراق سفر...حجر الكهرمان


(1) هذه المرة من الشرق إلي الغرب

إذا ما اتجهت من الشرق إلي الغرب ، وأنت تستقل المترو من محطة راين الاي / بادغودسبرغ لتكون وجهتك الفضاء التجاري بوسط المدينة” بون هاوبت بانهوف" ، فلن يكون لك خيار،إلا أن تمر" بماكس لوبينر شتراسي" ... هناك اعتزمت النزول، لن تشعر بمدة الخمسة عشر دقيقة، والتي تمثل زمن مسافة قطع الطريق، خاصة...متى تبادلت نظرات تعتقد عبرها، انك اسست علاقات، تكتمل بسفارات ، تعلن عن بدايات انطلاق موعد غرامي مع فتاة شقراء الشعر قصيره، لا يسعني إلا أن أطلق عليها بالمجمل... جميلة...لا لست صادقا، فمازال كبرياء الرجولة، ودلال أمي وغنجها لي، يمنعاني عن قول الحقيقة...هذه الحقيقة التي تقول إن هذه الفتاة...أكثر من جميلة ، جلست أمامي تبعد عني مقعدين ارتدت كنزة بوليفول اخضر زاهي ، أرغم عنقها على البروز فانعكس شعاعا يخطف البصر ،يجعل العيون حيارى بين التأمل و الاغفاءة، بين اليقظة و الحلم، فيستحيل النظر أن يزوغ عن مصدر هذا الشعاع. أتاني صوت المنبه وهو ينادي على محطتي المقصودة ، ليرغمني على الوقوف وعيناي مازلت متعلقة بها وتخاطبها في التكرم علي بالنزول معي لترافقني..... لا إجابة ، اندلفت مع الجموع من القبو،أوزع عليهم أجزاء من الخيبة ،التي لا أستطيع تحملها،لأنها ببساطة تضايقني،سالكًا طريقي إلي حديقة الجامعة، أشقها طوليا حتى أصل إلي الفضاء التجاري.
لرجوعي للوطن يبقى أسبوعان... وأنا... الحيرة تقلقني والسؤال لا يكف بالطرق داخلي... ماذا اهدي لها.

وجدت نفسي داخل الصندوق الزجاجي "هارتي"، هذا الكيان الضخم الذي يسمى سوق وهو يتفاخر بأدواره السبعة ، والذي لا أنسى بأنه ضربني على راسي قديما، لأنه تعمد أن تكون أبوابه الزجاجية لامعة ،حتى يتوقف نظرك على النفاذ والرؤية ،فيأتيك الشعور بأنك تدخل إلي مجال اللا رؤية..

من أين أبداء، بالعطور...... بالمقتنيات الجلدية، الإكسسوار.. والملابس ، لا توجد عندي أدنى فكرة ، الابتسامة ترغم أساريري على الانبساط وأنا أتذكر الزيارة الأولى رفقة اختي ، كيف احمرت عيونها من إجهاد النظر ، وهي تتلصص على السلع ...حتى أن نظرتها الطبية لم تحل الأمر، ولم تساعدها، في وقت الحاجة، لتصاب بدوران بعد عشرون دقيقة من التجوال والصمت المطبق، وتطلب مني المغادرة فورا حتى لا يغمى عليها... والحل كان عندها بسيط و سهل ، سندوتش شاورما كأنه عمود ، تتكئ عليه حتى لا تقع ، و تعود المرة القادمة، للسوق شرسة "يا جبل ما يهزك ريح"... فمنذ متى تقتنع النساء بالهزيمة ،ولتعطيني الدرس المستفاد"و هو أنني لم اعد احمل هم القادمين وكيفية وضع خطة لسياحتهم... هذا الكائن هو المقصود وهو الوجهة وهو المعلم السياحي الوحيد الذي يرغبون كل يوم بزيارته مستمتعين بقيادة العربات في مساربه ،هائمين في هذه المتاهة، حيث الأم تنسى وليدها والأخ يفقد أخاه ، والزوجة تسلم في زوجها إلي حين ،ولا احد يعرف احد، إلا من أتى الله بقلب سليم..... لاعجب فهذا زمن الاستهلاك والتفنن في مضيعة الوقت... عموما الهيكل لازال إلى ألان موجود ولكن المالك اسم جديد... الكاوف هوف.

لم أصل إلي قرار وأنا أتسكع في زقاقه كبوهيمي فقررت الخروج ، و قبل خطواتي الأخيرة للخلاص، التقيت بشقراء" أيضا ومرة أخرى "،ولكن هذه المرة،كانت شقراء بتنوره قصيرة ولدت نفس الإشعاع السابق ...هذه المرة، من خلال ساقيين منحوتتين ، ما بالي، أم ما بال هذا البلد ، تعمدت أن أتوجه إليها بالسؤال نظرا لحيرتي فهي إحدى موظفات الاستعلام بالسوق أو نظرا لغايتي بالتحرش بها... لا ادري ولا أريد أن ادري.

ما أعرفه أنها أشارت إليّ ،عندما علمت بأن الهدية تخص امرأة، بأن انطلق فوراً إلي الدور الرابع حيث الملابس الداخلية الخاصة بالنساء، أمام هذه الجراءة المتمردة وهذا الهجوم عليّ.... العنيف لم أجد نفسي، إلا وأنا أهز براسي في اتجاهين متضادين، وبصري حديد، في اتجاه وحيد... الأسفل، لأعبر عن رفضي ،وخجلي الشرقي، أو الطفولي كله سيان، المهم،هو الرفض... فجاءتني الإجابة تتهمني بالغباء مشتما فيها رائحة الشفقة لا الاحتقار... انك لا تعرف ماذا تحب النساء.

في الخارج كنت... يساعدني الهواء البارد على تلطيف درجة حرارتي المرتفعة ، ابحث عن مكان ارمي فيه خجلي؛ وأتخلص من الإهانة... كيف لا يعرف النساء؟! من ظن نفسه الدون جوان. موسيقى غير بعيدة تشدني انسحب إليها ، أنغام بيروفية تعبق برائحة جبال الانديز، أعثر هناك على شقراء المترو.. ولكي أتبث لنفسي بأني أخبر النساء، توجهت إليها مُعرفًا بنفسي من خلال لقبي... على عادتهم، مقتحمًا خلوتها بإختلاق حديث.. لن يكون هناك حديث، أفضل من حديث الهدية.. ، أخرجت مذكرتها اليومية.. فتحتها. رأيت وردة مقطوعة صغيرة مجففة وضعت بعناية مابين صفحتين، قالت :هذه وردة جبلية نادرة أهداها حبيبي إليُ، إنها الأقرب لقلبي... أصابني ذهول، وردة جافة تكاد لا تساوي شيئا،و لن تجدها في أرفف الاستهلاك، سعيدة هي بها، لماذا بادلتني النظرات... إذا لم...؟، أي نعم أيضًا أنا...بادلتها النظرات ولي أيضا حبيبة... لا تهدي، ولكني ذكر وهي أنثى... ولم تذكر الملابس الداخلية... الواقع... إني لا أعرف النساء.

(2) هذه المرة من الغرب إلي الشرق

إلي الشرق انتقلت ، عند السهول المشرفة على بحر البلطيق ،" أوستبروسين"وذلك لأجل زيارة لها دلالة عائلية ، جلست على شاطئ البحر في إحدى أمسيات شهر يونيو ، اعبث بذرات الرمال ، استمع إلي حكاية الشيخ والبحر ... ليست لارنست همنغواي بل للشيخ "أخيم"، يروي على مسامعي، الاسطورة... عندما يظهر القمر يكتمل.. .. يصبح بدر ، يزهو البحر يرقص فرحا على خيوط الضوء يناجي حبيبته القمر ، فيخرج من مكنونه جواهر، ليرميها على أطرافه...على ذرات الرمال...هذه الجواهر مُنعت في الزمن الغابر على عامة الناس، من أجل أن يغتني رجال الدولة والأشراف... المنع وصل إلي حد الشنق...إن الجوهر الذي يستحق كل هذا ليصبح عزيزا، اسمه "حجر الكهرمان".
لقد وجدتها صرخت بأعلى صوتي، في نفسي... الهدية حجر له تاريخ رومانسي من زمان، يرتبط بي... اشتريته.

(3) هذه المرة من الشمال إلي الجنوب

صعدتُ الطائرة ، وأنا أريد لثلاث ساعات أن تُختصر ، كما تقول كروان الشرق "فائزة احمد" (شوقا إلي حبيبي... أكادُ أطير)، لا فكرة تراودني إلا انطباع الحبيبة لرؤية الهدية، ناديت على المضيفة... لأنها امرأة، جعلت الحجر يبادلها النظرات، سألتها عن رأيها... لأنها امرأة... يا للروعة انه جميل. . جميلاً حقا... أدخلت الطمأنينة في نفسي... من المؤكد أيضا حبيبتي.

استقرت الطائرة على المدرج، الفرحة تسير بقدمي فهي في الخارج تنتظرني...... مشتاقة إلى رؤيتي هكذا قالت لي في أخر مكالمة هاتفية... لمحتني من بعيد، لمحتها، لوحت إليُ لوحت لها، بعد لحظات كنت أمامها -- اشتقتُ إليك، ولم تعلمني أن لا أشتاق قالت... أين الحجر؟. أخرجته من العماق، أعطيتها إياه تعجبت لبريقه مدهوشة. يبدو كقصيدة شعر:قلت لها

...لا يساوي الحجر ، جاءت بعد أيام ، وهي تقول هذه العبارة، قبل أن استوضح تابعت، فهي في الأغلب لا تريد أن تسمع، فقط تتحدث...لقد قيمته عند الصائغ فقال انه مجرد حجر هنا في بلدنا لا تاريخ له، مجهول بلا ماضي، إذاً لا معنى له فمن أين أتت له الكرامة.

(4) هذه المرة من الجنوب إلي الشمال

ركبت الطائرة...مرة أخرى ، لا احد في وداعي ، كما كان في استقبالي، لا التفت ورائي، و لسان حالي يقول... أذهب هذه المرة، كي اعرف الناس... أين يوجد الاختلاف والتنوع ؟... لن اعرف، إذا لم أقارن بين المختلفات.

السبت، 10 نوفمبر 2018

أوراق سفر...بدو كجكين

أجبر الجفاف الرعاة البدو في قرية كجكين بمقاطعة كرمان على نقل قطعانهم بحثاً عن المروج. في نفس الوقت الذي يشكل الحرص على منح الأطفال فرصة التعليم. سبباً في تخلي البعض عن نمط حياة البدو. 

مازالوا إلى اليوم ، بدو كجكين ينقلون ما تبقى من قطعانهم إلى المراعي العالية صيفا في المرتفعات قرب مدينة كرمان في رحلتين حالهم حال اسلافهم، الذين قاموا بنفس الهجرة لآلاف السنين. رحلتان، تطعمهم من جوع ، و تأمنهم من خوف .رحلة الربيع تأخذهم حيث السهوب الأكثر خضرة، والأكثر برودة. هناك قطعانهم من الأغنام والماعز ، تتحصل على الغذاء الوفير. ورحلة الشتاء حيث يعود القطيع، قوي ومغذي بشكل جيد .

في المروج انتهى عهد الذهاب بزيارات طوال اليوم إلى مركز الاتصالات، للتواصل مع كل ما هو بعيد عنهم، فطالما شكوا التي من قسم الاستقبال ومعاملتهم. حالياً صارت مهجورة منذ فترة طويلة ، فأفراد قبيلة گرگ المحليين أصبحوا يملكون هواتف محمولة، ليس الرجال فقط، بل حتى النساء.

 باري احمدي، فتاة قامتها منتصبة، شعرها الناعم الاسود طويل حتى وركيها متهدل، تطير الرياح خصلاته، فتزيحهم إلى الوراء، لها عادة أن تلف ذراعيها حول نهديها، ملامحها دقيقة خالية من الزينة، و طرف أنفها شديد الاحمرار، عيناها مشعتين لماعتين قويتين، يبدو هي تحمل جينات وراثية لسلالة گرگ ( الذئب ). ربما لهذا السبب استمدت القبيلة الاسم . اما ساقيها فهما مصقولين بيضاوين...باختصار هي مثيرة للفتنة تحمل بندقية والدتها، ما دامت لم تتزوج ، سيكون لها سلاحها بمجرد أن تقترن بالزواج، ولكن بعد أخذ موافقة الزوج أو الأب. النساء في كجكين سلاحهن يكمل انوتثهن، المختبئة خلف الذكورة.

يمتلك والد باري شاحنة كبيرة لتسهيل تحركاتهم ، ولكن على بعض أفراد عائلة احمدي أن يسيروا نظراً لأن الشاحنة صغيرة تحمل أمتعتهم ،وكبار السن ، والأطفال. في السنوات الأخيرة ، توقفت العديد من العائلات عن الحركة والعيش كبدو بسبب الصعوبات. بالنسبة للآخرين ،كعائلة احمدي فتربية الحيوانات توفر الدخل الوحيد لهم. 

العائلة تتكون من 8 اشخاص، الأخوين الكبيرين، احدهما هومي شد الرحيل إلى استراليا، والأخر علي جرب الحياة في المانيا، تعرف على فتاة اطول منه، جمعت كل الوان السماء في عينيها، ارادت أن تقاسمه الحياة، في صباح قارس البرودة خلال شتاء ما ، رحل راجعاً حيث عائلته ،ربما عادة السفر والترحال من مكان إلى مكان كان السبب في الهجران. اعتقد انه تخلص من المدنية والقوالب الاسمنتية و اولريكي. في يوما ما عاد من المرعى فوجدها تتوسط مكان بين الأب والأم تلاعب باري الصغيرة انذاك، ينهض ابوه يمسكه من يديه ، ويسلم الهارب إلى الفتاة الألمانية كغنيمة والصفقة دخولها للإسلام، ودعهم حتى السهوب قائلاً أياك أن تعود ، اذا ما عدت سأرحل معها أنا.!

في الليل ، اتشارك مع عائلة احمدي في وجبة باغالا بولو على سجاد ملون ممدود. وقبل المنام ، وبينما يتهيأ الجميع لدخول الخيام تختمر عاصفة رعدية تجرف السحب المظلمة فوق الوادي ، ملوثة بخطوط رمادية من المطر. نجاة زوجة احمدي، حرصت إن تطمئن على الجميع، قبل إن تدخل خيمتهما السوداء، المقامة في نفس المكان الذي هاجرت فيه عائلتهما قبل مائة من السنيين، قالت ليّ: كثير من اقاربنا يعيشون في المدن الآن. باعوا قطعانهم للعيش في المنازل "ما هي الفائدة من وجودهم؟"أي نوع من الحياة هي هذه؟"، مشيرة إلى الثقوب في الخيمة. "كان علينا أن ننام تحت ثلاث بطانيات ، ولا يزال البرد يجلدنا بسياطه. أتمنى لو كنت أيضًا أعيش في المدينة. أما احمدي فقال إن برودة الربيع غير متوقعة ، كذلك الأمطار، تغطى جيداً، فالبرد ينخر العظام . 

تستيقظ نجاة،عند الفجر وتجلب الماء من البئر ، قاطعة مسافة طويلة. بعد ذلك تقوم بخبز الخبز وإعداد الإفطار. وغالبا ما تنضم إلى زوجها أثناء قيامها برعي الأغنام وحلبها، كي تصنع الزبادي والجبن. يديها ووجهها كلاهما بلون غامق نتيجة الشمس. وفي ساعات الراحة أن وجدت فإنها تعمل على الكليم أو السجاد...تقول نجاة:
باري ابنتي تركب الحصان، ترعى الاغنام، وتقوم بإرشادها إلى الكلأ، و تساعدني في رعاية اخوتها . "بعد كل هذه السنوات من العمل الشاق ، ليس لدي ما أراه باستثناء هؤلاء الأطفال والشمس". "فرحتنا الوحيدة هي أن نشرب الشاي."

قوانين الميراث الخاصة بالبدو لا تختلف رسمياً عن تلك الخاصة بالإيرانيين الآخرين ، لكن في الممارسة العملية نادراً ما ترث النساء أي شيء. العادات البدوية هي أن تمنح المرأة حقوقها في الميراث لإخوانها.

لطالما قاوم البدو الحداثة من خلال العزلة التي تأتي مع نمط حياتهم. التقاليد العميقة والبطريركية أبقتهم بعيدا على التغيير ، ولكن الجمع بين الجفاف المستمر والعواصف الترابية التي تحول الجو إلى برتقالي اللون والتوسع الحضري على نطاق واسع والإنترنت المتنقل وانتشار التعليم العالي جعل أعدادهم، هؤلاء البدو يتضاءل.

الخميس، 8 نوفمبر 2018

اوراق سفر...دراويش شنايدي

نزلت من القطار، إلى رصيف المحطة، وكانوا في الانتظار رجلان و امرأة...او ربما، ثلاثة رجال، فلولا غطاء الراس الذي أخفت تحته بعناية خصلات الشعر، مثلما أخفت كل الثنايا، والبروز، في تضاريسها...فقط سهوب ممتدة لا حياة فيها، بلا هضاب، وبلا مرتفعات تختفي ورائها الشمس لاختلط علي الامر ، وحسبتها ذكر. لم أسهب في الحديث، متى ركبت السيارة، فقط بعض كلمات تقتضيها المجاملة حتى تمكنني أن اندس في المقعد الخلفي،انزوي ارتاح واريح لمدة ساعة من الزمن، خاصة وقد انهكني السفر بطول الطريق خلال كل الليل، أمنع النوم عن عيناي، هذا دأبي من سنيين، أرفض أن أنام أمام الجموع، فالنوم وسط الكل هو اعتراف مني صريح أحاول جاهداً أن أخفيه.

وصلنا القصر في شنايدي، القابع وحيد في سهل اختفت حدوده بعد أن مُحيت بأبيض الجليد، كل ما بقى من معالمه أشجار تعرت هي الوحيدة بدون خجل، وسط كل هذا التهذيب.

الاسطورة تقول بأن مالك القصر من مائة سنة في أحد غرفه شنق نفسه، وانتحر، فقد ماتت جميع اسماكه القابعة في بِرك الماء حول البناء. هناك من يقول بأن أحدهم نتيجة نزاع وضع السم ، انتهى السمك، و عمر سيد القصر انتهى.

صمت يعم المكان، قادني سيدي عمر إلى غرفة في آخر الفناء وقال لي تفضل ادخل يا مولاي هذا غرفة كبار الضيوف امثال الشيوخ، هي لك. كانت الحجرة مليئة بالاسرة الفارغة، وعلى جدرانها عُلقت آيات قرآنية. ينتابني فضول للسؤال يدفعني إليه شعور بالريبة و الشك. لربما هذه الغرفة التي قبض فيها عزرائيل روح صاحب الأسماك.

دُعيت للغذاء، أو شبيه الغذاء، مع شيخ المجموعة ، وحاشيته و أربعة من النساء هن زوجاته اكبرهن بوسنية، وأصغرهن نمساوية، يبدو أن الشيخ أحمد جمع مُلك ال هابسبورغ من اطرافه.هن جميلات ولكنهن صامتات، أن تحدثن كلامهن همس، وأن سكتن يطول السكوت حتى تحسبه من الامس.جلستا متقابلتان ، شاهقتي البياض كاللبن الصافي شفتاهما رقيقتان، كلتاهما احتشدتا في عيناها سماوات صغيرة، إلا أن واحدة منهن، كلما ابتسمت ادمعت.

باختصار المكان كله في احتضار، إلا عطر يسكن الزوايا مُحتشم. تجولت في المكتبة، وكتبها المستلقية على رفوف دافئة متراصة وكأنها في حلقة ذكر من فيها يتغزل بالحبيب مع رقص الدفوف ، بينما أنا اخرج إلى الفضاء اغازل بعضاً من الغصون المتعراة ببهاء من غطاء بين صفوف الشجر، فلا ينتابني إلا زكام من هذا التحرش، وتأتي صفية التي استقبلتني بالمحطة ببعض الدواء...خذه سيساعدك على النوم، هو منقوع أعشاب الربيع المجمعة من الحقول المحيطة بالقصر: قائلة.
أتمنى ان لا تكون قد تلوثت بالسم...اُجيب.

مع المساء في ثلاثة حلقات اجتمعوا، الخارجية للنساء، تتلوها اخرى للرجال وما بينهما حلقة وحيدة منفردة للشيخ احمد هو وكيل الطريقة البرهانية السودانية في المانيا . كان لا بالطويل ،ولا بالقصير، ولا بالعريض، ولا بالمحصور الكتفين، يرتدي عباءة موشاة بخيوط من الذهب، كأنه ملك من اعماق الماضي انبعث حاملاً خطاياه و مهابته بدأ شعره الذي استرسل من عمامته باهتًا بلون القش، و بشرته شديدة الشحوب، مشدودة على عظام الوجه، وعيون ميتة بدون انفعال، يتكلم دون مودة، ويسلم أيضًا دون مودة، مجرد تلامس لأكف غريبة. اله أسطوري صامت و متسلط و موجود. هل يستحق كل هذه القدسية، ام أنهم كانوا في حاجة إلى قديس.الحكاية تبدو ناقصة. كانوا كبجع أبيض يدورون دورات لا تهدأ، يتسارع بتسارع الانحناء على إيقاع موزون بكلمة الله الله تتحول تدريجيا إلى حشرجة تشبه زفرة الموت، يبدو وكأنها ترسلهم إلى برزخ بين عالمين مختلفين .

دخلت غرفتي لأنام في الليل ليس هناك إلا اصوات الضفادع و جنادب الليل، وهمهمات الطيور، و مواء قطة غريبة في عالم غريب. عند الفجر افقت على صوت الاذان ، وكأن من أذن وقف امام باب الغرفة، يدق علي الباب، ينتظر جواب تأخر فينادي...الصلاة يا مولاي . هو لم يعلم بأن هذا الولي لا يصلي، وإن حدث و صلى ، يصلي بدون خشوع. الطقوس تقلقه، وتكبله، تمنعه من الانطلاق، تسد عليه المنافذ، والأبواب تقتله في الانغلاق. لا مفر ولا خيار في القرار، و قطرات الماء المثلج في الباحة بالانتظار.من حضر افسح لي الطريق إلى داخل المسجد حيث المحراب، بحث بعيناي عن الشيخ أحمد بندوف. لم أجده. لم أسأل، وأنا أفتقد غيابه. جاهدت في الخشوع لأجلهم وحاولت أن انطق ايات بلسان عربي فصيح ، كي يعمهم الفرح، ولا يهمهم الكدر، بأن صلاتهم كان أدائها صحيح.

قضيت طوال اليوم وأنا اتعرف على نشاطهم، وجوانب واضحة من حياتهم ، مطبوعاتهم ، نشراتهم ، صورهم ، و إذا هناك ما خفي فلم اطلع عليه.

في صباح اليوم التالي، غادرت مع صفية المكان الذي لا عنوان له إلا بيت شنايدي. وبينما تبتعد السيارة القيت نظرة إلى الوراء يدفعني سؤال الحياري مثلي هل هم في الزمن الخطأ، والمكان الخطأ...تُجيبني صفية....نعم. تضمني بحرارة، وتودعني بقبلة اخوية، اركب عربة القطار، الذي يستعد للمغادرة بينما أنا الوح لها بيدي من النافذة حتى تغيب، وأغيب أنا، تفصل بيننا السماء ، لا أدري فرح بالخلاص، أما بالذنب حزين....لا اجابة واضحة . كل ما هو واضح عندي حد اليقين مسالك الله غريبة ....و صفية جميلة كالنساء، لها حنين.

الثلاثاء، 6 نوفمبر 2018

ميثولوجيا الصراع

اعترضوه في الطريق
وحيداً بلا رفيق
و شجرة التوت...لا تستطيع
تمنع أوراقها عن السقوط
و الكرز يشع و يهيج
بأحمر بهيج
يتعرى القمر خلف الغصون،
يُداري أبيض رخامه استحياء،
و خجلاً من العيون،
اوقفوه عن السبيل
يسألوه إلى أين الرحيل
تسير مع الريح.
يقف عنهم بعيد
يتعجب للمصادفة،
ولأسئلتهم التافهة،
يستدعي الذاكرة،
مع صخب مثير للرهبة
تستيقظ الذكريات،
المطمورة
تنساب الكلمات،
في البداية،
متعثرة، مترددة،
يستفيق،
ترتيبها يُعيد،
هذه المرة،
متناسقة، متناغمة،
في عقد فريد،
لقصص مهمشات،
وحكايات منسية،
وكيف يبدأ التاريخ...بامرأة
ترفع سيف حكيم
تطلب نِزال،
اي رجل من الرجال،
يريد بها الاقتران،
إن هي صرعته،
ملكته،
نفذ ما امرته،
لا يقترن بغيرها،
من النساء
وينظر فقط بعينها
و إن هو غلبها،
كانت له تابعة،
و جاريه معه تقيم.
...انه صراع قاسي،
يدور و يطول
لأجل أن تتواصل الحياة،
ولا تفنى الاكوان.

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

امرأة تفتش اوراقي

هُنَاك من دخل هنا
اقدس ما لديّ وأشد سَرَّية
ما لا تعرِفينه أنتِ نفسكِ
رسائلي إليكِ الخمسينية
هي في الحقيقة رسائلي أكتبها
واستنسخ جمل كثيرة فيها من دفاتري
فلسفية، تاريخية ، دينية، شاعرية
بلغات عِدة وحُروفًا
ارمية، فارسية، كردية ،
 اردية ،انجلوسكسونية ،
 لاتينية،  امازيغية وعربية
خالطاً أفكاري بمقاطع من المزاح واللَعَبَ
وشيئاً من تأملاتي
ومن تأملات الأخرين
وردية أحيانًا ، وأحيانًا مأساوية
الرسائل هيأت لنا الطريق
أن نتقبل الشوكة والوردة معاً،
كي تكون الحياة طبيعية
لا يمكننا أن نتذمر
فقد كسبنا الحَقّ بالنوم في فراشي
أتلهف بجنون لمعرفة أخباركِ
لتلقي اشارتي
ولكني أخاف أن الغرقى يتمسكون ،
بما يجِدونه في طريقهم
دون قرف من أي قصص وهمية
ضحكت هي الآن بجِدّ ،
ضحكة أطول وأكثر ظرافة من ذي قبل
مُبْهِجة ، مُسترِسلة ...ندية
رجعا إلى غرفة النوم المظلمة
أحدهما يمسك بيد الآخر
تجرأت هي على قول مزحة
بصوت عال
اننا بالرغم من كل شيء نشكل أسرة

الخميس، 1 نوفمبر 2018

طفلة الياسمين


أتَلَمَّسُ المَطَرَ السَّائِلَ عَلَى وجتيكِ
وَقَدْ أَجْتَمِعُ فِيهَا التَّمَرُّدُ وَالرَّفْضُ
مَعَ بَرِيقٍ اللُّؤْلُؤُ وَاللَّمَعَانُ
... تَصْمِتِينَ
تَخْتَنِقِينَ بِالتَّعْبِير
دَمْعًا تَذْرِفِينَ
يُرْغِمُهُ الزَّمَانُ عَلَى الجَرَيَان
لَوْ أَخْرَجَتْ كَلَامًا لِلَحْظَة
لَعَنُفَتْ الجَمِيعُ دُونَمَا شَفَقَة
مِنْ غَيْرِكِ عَرَفَ مَضَضَ الهَزَائِمِ
تُحَارِبُكِ أَنْتِ الأَقْدَارُ
وَنَعْرِفُ مِنْ الأَخْبَار
أنكٍ خَسِرْتِهَا تَمَامًا
وَيُجَنِّبُ الهُمُومَ وَالأَلَمَ وَالمُعَانَاةَ
أخرين،
مُمْتَنِّينَ لَهُ، وَ عِرْفَانًا
يَجْلِسُونَ هُنَا مُتَفَرِّجَيْنِ
بِالنَّمِيمَةِ وَ الحِقْدِ مَشْغُولَيْن
مُعْتَنِين بِأَنْفُسِهُمْ مَهْمَا كُلَفَهُمْ الأَمَرَّ
أَنَانِيِّين
فَقَطْ قَلِيلٌ ...لَا يُؤْمِنُونَ،
إِلَّا بِالإِنْسَانِيَّةِ مِنْ الأَدْيَانِ
يُقِيمُونَ الدُّنْيَا وَلَا يُقْعِدُونَ
سِلَاحَهُمْ... بَيْتَهُمْ صُرَاخُهُمْ قَلَمَهُمْ
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ
غُرَبَاءَ... بِالأَنِينِ يَكْتَفُونَ
أَهْوَنُ الإِيمَان.