الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

أسألُ المهاجر

الكوني كتب في كتابه معزوفة الأوتار المزمومة أن طبيعة الألب حيث يعيش الان باردةصارمةمعادية طاردة مثل اهلها يعني متطرفة تودد كي ترتضيه ضيفًا ورفضت.

هذا الطرح يجعلني أسأل: أيها المهاجر من عادة جبالنا في العشق ألا يتعلق الغريب بداره، عليه أن يتخلى عن عشقه الأول ويودعه الحنايا بدل قلبه، إن لم يستطيع النسيان، لن يملئ المكان الذي لأجله غادر وسافر كمُغامر كي يقود لجام وجده، يتأمل و تنساب الكلمات كالماء من لسانه، بقصيدة شعر غزلية، ولكن حِذار فأن بقى العشق الأول في مكنونك، متظاهرًا بالتخلي عنه، سيفضحك كلامك المتلعثم، بلسان تمتام متأخر في الكلام. تحاول أن تستعين بأخِ موسى هارون كي يتواصل مع الجمع كترجمان، تفقد لغة الجسد فلا تعود تشعر بحرارة العواطف المنبعثة من هذه الأجساد. تبرد، تنزوي بعيد وحدك حتى تغيب في يومًا ما عندما تغيب الشمس. أو تقرر الرحيل بعد أن يُفضح امرك، ولا تجد من يُلبسك معطفك الذي يقيك من البرد كما واقك من الحر جردك (1 ) و يتحول إلى كفن.

أيها المهاجر هل طفت على بيوت الجيران هنئتهم بالعيد، وسألت عن الاحوال، واذا اغلق دونك الباب طرقت عليه من جديد، وقلت انتم يا من في الدار تسكنون اذا كان اليوم عمل فقد آن لكم أن تستيقظوا.وإذا ما كانت عطلة فناموا كما تشاؤون فلا داعي للعجلة. وهل بإمكاني أن أدخل أو أنكم لا تريدون. تُخرج البسمة من مخبئها مرغمة وتضع السلام هدية على عتبة الباب مع بعض الكبرياء، وتعود ادراجك بعد أن استبدلتهما بشيء من السعادة لن يشعر بها إلا من جربها و خَبرَها.

أيها المهاجر هل اقترنت بامرأة؟ لهم تنتمي رأيتها من بعيد، ربما لم تحلم بها كحورية او جنّنية قرأت عنها وكنت اياها تشتهي، حتى ولم تشُتم منها رائحة كما تشّتم الآن رائحة عطرة وهي بقربك، تتقدم إليها بشجاعة تمد يدك إلى يدها يتشابك خجلك واضطرابك مع استغرابها و استهجانها، يحمر وجهها، وتسألك ماذا تريد أيها الغريب؟. تصيح هي تطلب العون، يستنفر كل من كان حولها، يسقطونك ارضًا، ويبرحونك ضربًا. مرة أخرى تضع السلام هدية على الأقدام مع بعض الكبرياء، وتنهص مثخن بالجراح بعد استبدلتهما بشيء من الجراءة لن يشعر بها إلا عاشق خجول.

أيها المهاجر هل تخليت عن لباسك؟، وشيء من الهوية وذبت في نهرهم بشيء من الأثر. لبست قبعتهم، كما شربت ماءهم. الغناء قاسمتهم، والرقص شاركتهم، حتى وإن لم تتقنه، يكفي أن تميل مرة إلى اليمين، ومرة إلى الشمال. هناك من يغضب وهناك من يستهزىء . مرة أخرى تضع السلام هدية على الايادي مع بعض الكبرياء، و ترجع طفل صغير فرح بلعب جديد ، في أحد أيام العيد ، فتغني أشعارهم، تعزف موسيقى قصائدهم، وتلعب باوتار قيثارتهم بعد استبدلتهما بالانتماء .

أيها المهاجر قضيت ثلاثين من السنيين، هل قرأت كتابهم، تكلمت على لسانهم، سرجت حصانهم، و سلكت سبيل من سبلِهم. قاتلت فارس من فرسانهم، ولا حتى عدو من اعدائهم. دخلت معابدهم، صليت معهم ، وتعرفت على طقوسهم، هِمت في حلقات ذكرهم. ذبحت خرافهم كما يذبحون، حتى و عيناك تدمع لرائحة الدم، ولكنك ستنسى بمجرد أن تنتشي برائحة اللحم المشوي...هكذا كان ابي.

فتش في خصوصيات غيره فعرف ما في جيوبهم. وضع السلام هدية على رمال صحرائهم مع بعض الكبرياء، ولكنه بعد ثلاثين عام في الصحراء ، ومثلها في الجبال كرر نفس الخطأ أيها المهاجر ...عندما عاد مرغمًا بالقدر.لم يقتدر على أن يرمي عشقه حيث استودع سلامه وكبرياءه، اخفاهُ في حناياه، افتضح أمره...صار يتمتم و يثلعتم في الكلام.
----------------------
( 1 ) الجرد لباس من الصوف، عادة يرتديه الليبيين في الشتاء يقيهم من البرد، وفي الصيف يقيهم من الحر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق