السبت، 27 أكتوبر 2018

أنا و السيكار و فيدال..

لم أدخنه مطلقا، ولم أدخن طيلة حياتي، إلا أنه كان يأسرني بجماله عندما يحترق ليسعد من يدخنه، يموت وتخرج منه رائحة زكية...او هكذا هو إحساسي تظل تذكرني بالرائعات الخاليات والتي مضت.
أول حكايتي مع السيكار كانت في"فيلدشتايت"...قرية تبعد عن مدينة هامبورغ بألمانيا 25 كم.كان عمري ذاك الزمان 8 سنوات. وكانت السنة عادة مقسمة عندي نصفين. أقضي نصف السنة الصيفي في المانيا حيث كان منزل الجدين، واقضي نصف السنة الأخر الشتوي في ليبيا حيث كان بيت الوالدين .ولأن القرية بعيدة عن البحر ، ولا يوجد لا نهر ولا بحيرة . فقط جداول ماء محتشمة، فكانت ضالتنا وكان مقصدنا بيت عجوز يكنى "الهر شتراوس" الذي امتلك بركة سباحة متنقلة دائرية قطرها 2 متر، وضعها في حجرة الخزين اسفل البيت.و نظرا لأن دائما ما تكون هذه الحجرة محتفظة ببرودتها من ايام الشتاء فقد زود الهر ماء حوضه بتسخين أوتوماتيكي يعادل درجة حرارة الغرفة.طبعا ولأننا أطفال فقد كانت مفاهيم الخجل وعدم الإزعاج ومراعاة الأوقات ساقطة من معايرنا، ولا نعيرها لا اهتمام ولا اعتبار. إلا أن جدتي كانت هذه الأخلاقيات تؤرقها وتكثرت لها، وخاصة متى عرفت بأن الهر لا يتقاضى اجر، ولا عنده لا أطفال ولا أحفاد. فكانت كلما جئت لها الساعة الثانية بعد الظهر مظهرا رغبتي في الذهاب إلى الاستحمام راجية اياها أن تعطيني ملابس السباحة والفوطة تصر على إن تصحبني إلى الباب لتعطيني سيكار واحد فقط.كان سؤالي دائما لماذا واحد فقط هل أن جدتي بخيلة؟. كبرت وعرفت بأنه سيكار كوبي غالي الثمن، استمتع الهر بتدخنيه بينما نحن نستمتع بالسباحة .المفارقة بعد 6 مرات رفضت جدتي أن تسمح لي بالسباحة مجددا ، قائلة: صار الامر مخجل.حاولت أن أناقش احاور اقنع إلا أن الجواب كان قطعي هذا يكفي" Jetzt aber Schluss "
بعد سنيين عديدة وأنا شاب، وأثناء أحد ليالي السمر افشى جدي لي بسر...قال:جدتك منعتك من الذهاب للهر لأمر بسيط فالصندوق الخشبي كان يحوي عدد 6 سيكار وانتهى.
أما حكايتي الثانية معه كانت عندما تلقيت دروس اللغة الانجليزية في السفارة الأمريكية حيث كان والدي يشتغل.كان الأستاذ المكي ليبي يتكلم الإنجليزية بلسان مثل الأمريكيين، يلبس مثل الأمريكيين، يضع قدماه فوق الطاولة مثل الأمريكيين، حتى أنه طلق زوجته الليبية ليتزوج بأخرى امريكية، وأصبح يأكل ويدخن السيكار مثل الأمريكيين. طوال الدرس و السيكار لا يفارق زوايتي فمه مرة ناحية اليسار، ومرة ناحية اليمين.يتكلم وهو تارة يدخنه وتارة أخرى يمضغه. يبدو أنه في هذه الوضعية يساعده على إتقان نغمة اللكنة، وهذه النظرية تم إتباثها بالبرهان،فخلال أحد الأيام استدعي سير مكي خارج الفصل ويبدو وكأن الاستدعاء كان من شخص مهم فدعى سيكاره يستلقي على حافة المكتب وخرج ، فقمنا نحن بتبادل ادوار وضع السيكار مثل السير محاولين أن نقرأ ما كتب على السبورة فكنا نتكلم مثل الأمريكيين.وندخن مثل الشعب الذي يكرهه الأمريكان....الكوبيين.
مسك الختام في حكايتي كان سيكار كوبي فاخر تحصلت عليه كهدية وتذكار من الزعيم الكوبي #فيدال_كاسترو أثناء زيارته إلى #ليبيا واقامته بفندق المهاري بطرابلس حيث كنت اضطلع بمهام مدير المآدب والحفلات، وسهرت كي أضمن للزعيم خدمات به تليق، وازاء التعب كان الجزاء السيكار الأعظم والاشهر ...والأخير حتى يومي هذا، والذي احتفظت به لسنوات في مكتبتي اصر على عرضه امام الزائرين بافتخار حتى اتت عليه العثة وافترسته بدل أن أدخنه أنا.كان سؤالي دائما لماذا اهدني فيدال فقط سيكار واحد؟ هل هو بخيل مثل جدتي، أو أن علبة السيكار التي أحضرها معه من كوبا انتهت؟ ...لا جدي ولا كاسترو على قيد الحياة ليفشيا السر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق