الثلاثاء، 20 يوليو 2010

معضلة فرض اللباس


كنت طفلا في الثالثة عشرة من عمري عندما تعرضت لتمزيق قميصى من قبل رجل شرطة , لايمكن الا ان اطلق عليه لقب جاهل وتسلطي,وكان السبب لان التي شيرت كان يحمل رقم 56 كتب بارقام كانت في ذلك الوقت تعتبر اجنبية …الان هي عربية .
منذ ذلك الوقت والي الان مازلت دائما مقتنعا بحرية الفرد في التفكير واللباس , حتى وان كنت غير مقتنع ببعض السلوك في الملبس الا اني احترم خصوصية الافراد , حريتهم , وعدم حشر انفي فيما لا يعنيني , او امارس ديكتاتورية الانا.
في جو الغلو الديني الذي يجتاح العالم اليوم , ولم يسلم منه أي دين من الاديان فاللباس اصبح مسالة فتحت باب الحوار بين ما هو خاص وعام بالنسبة لسلوك الأفراد، كما أعادت إلى الأذهان سؤالا مهما حول طبيعة دور الدولة في أن تتدخل في حرية الأفراد وفرض نوع خاص من اللباس دون الأخذ بعين الاعتبار حرية الأفراد والتنوع الديني والعرقي داخل المجتمع, الان في فرنسا تحاول الجمعية الوطنية اقرارقانون يمنع النقاب,كما اقر قانون بفرض الحجاب فيما مضى في ايران…فلا فرق بين ساركوزي وخاتمي كل من نظره.
فمع بداية كل صيف تبدأ السلطات في إيران حملة ضد ما تسميه "بد حجاب" والتي تعني بالعربية (عدم احترام اللباس الإسلامي ) الحجاب يعني إيرانيا وضع غطاء للشعر مع بقاء أجزاء من الشعر بادية من الأمام أو من الخلف ، يضاف إلى ذلك ارتداء ملابس ضيقة إما تصف أو تشف ما تحتها، يرافق ذلك استخدام أدوات الماكياج بالنسبة للسيدات، ولم يكن الأمر منحصرا بالسيدات بل تجاوزه إلى جيل الشباب الرجال الذين يرتدون الجينز الضيق وأنواع من التي شيرت التي تحتوي على صور أو كلمات لا تنسجم مع الثقافة الإيرانية والإسلامية كما تقول السلطات. من هنا كان لجوء السلطات الحكومية في طهران لشن حملات على تلك الفئة من السيدات والشباب في محاولة لدفعهم إلى الالتزام بمقررات الزى واللباس في إيران، تلك المقررات التي جاءت ضمن حزمة من التغييرات أسمتها السلطات في إيران الثورة الثقافية والتي دعت في إحدى فصولها إلى أسلمة المجتمع الايراني والتي جاء اللباس من ضمنها. خلال 27 عاما من تأسيس الجمهورية الإسلامية شنت السلطات أكثر من 13 حملة في محاولة لإلزام المجتمع باحترام القوانين والمقررات المتعلقة .

المسالة التي لا زالت تشغل الكثيرين داخل المجتمع الإيراني أو أولائك الذين يدرسون ظاهرة الحكومة الدينية. لقد ألزمت الحكومة الإيرانية نفسها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية بالمسؤولية عن البعد الأخلاقي و القيمي، في هذا السياق يأتي فرض الحجاب ورعاية مقتضيات الاحتشام في المجتمع الإيراني ضمن ما تسميه الحكومة شأنا دينيا ملزما بكل ما يتولى زمام الأمور في إيران. لم يكن هنالك وتيرة واحدة من التعامل مع هذا الشأن، فطوال 8 سنوات وحيث تولى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي رئاسة الجمهورية لم يكن موضوع الحجاب وفرضه على سلم أولويات حكومته، مما أعطى انطباعا من أن الدولة قد تراجعت عن التشدد الذي كانت تمارسه كما يرى الإيرانيون. لقد كانت فترة رئاسة خاتمي بمثابة انفتاح حقيقي فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي وربما أكثر منه في الشأن السياسي لقد كانت الألوان الأسود و الكحلي والبني الغامق تغلب على ألوان الملابس لا سيما لباس السيدات لكنه ومنذ مجيء الرئيس خاتمي حصل ما يمكن تسميته بهجوم الألوان الزاهية واستعيض عن اللباس التقليدي ) ألتشادور ( بما يسمى هناك بالمانتو ، ثم أعقب ذلك وبسرعة هائلة البنطال مع الجاكت كما استبدل غطاء الرأس او المقنعه كما يسمى في إيران بغطاء خفيف يظهر مقدمة الشعر أو مؤخرته أو الاثنين معا، لقد كان هذا التغير مثيرا للانتباه بالنسبة للسلطات، لكن طبيعة الانفراج السياسي الداخلي الذي كان يصب في اتجاه مصلحة النظام دفع باتجاه اختيار اللاعنف واعتبار القضية ثقافية يرد عليها بإجراءات ثقافية لكن هذا الأمر أخذ يتغير في الدورة الثانية لرئاسة خاتمي ) 2001 – 2005 ( حيث ازداد الانتقاد لهذه المظاهر واعتبر نوعا من الغزو الثقافي الذي فشلت حكومة خاتمي في الرد عليه متعللة بتركيزها على الإصلاح السياسي، ومع انتخاب الرئيس محمود تحمدي نجاد عادت مسألة الحجاب للظهور من جديد، خاصة وأن الرئيس ينتمي إلى عائلة متدينة وجناح سياسي محافظ جدا فساد توقع من أن حكومة احمدي نجاد ستفرض مزيدا من القيود فيما يتعلق باللباس والأزياء المتعارف عليها داخل المجتمع الإيراني وعزز من هذه المخاوف وجود غالبية برلمانية في مجلس الشورى ترتقي مع الرئيس في أطروحاته حول هذه المسألة، من هنا كان إقرار القانون الذي تقدمت به حكومة محمود احمدي نجاد إلى مجلس الشورى والمسمى بقانون الزى الإسلامي والذي يحتوي على 113 مادة وبموجب هذا القانون فإن الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الإيراني ككل ملزمون بالعمل معا لنشر القيم والأخلاق الإسلامية، واعتبر القانون أن كل من ترتدي البنطال القصير أو والأخلاق الإسلامية، واعتبر القانون أن كل من ترتدي البنطال القصير أو الجاكت الضيق أو غطاء للرأس يظهر الشعر بمثابة مخالفات يجب المعاقبة عليها بموجب هذا القانون، وقد تجاوز القانون ما يتعلق بالمرأة من لباس إلى الرجال حيث تم التحذير من ارتداء أنواع الجينز أو تي شيرت التي تصف جسم الرجل وقد أقر مجلس الشورى الإسلامي هذا القانون في شهر ابريل 2006 على أن يبدأ العمل به في 22 ابريل 2007 . ومع بدأ الحملة في طهران ومدن أخرى كمدينة شيراز، فقد تم إيقاف 1300 امرأة في مدينة طهران وتم توجيه النصح لهن حول ضرورة الالتزام بما جاء في القانون، و تم اعتقال 307 رجل وامرأة بسبب ارتدائهم ملابس تخالف ما جاء في القانون حيث تم إخلاء سبيل 235 منهم بعد أخذ تعهدات خاصة عليهم فيما أحيل 76 شخص إلى السلطات القضائية. لقد كان أداء السلطات في التعامل مع القضية وأسلوب التعاطي مثار انتقاد من قبل القوى الإصلاحية في إيران بل وحتى من أولئك الذين يعملون في هرم السلطة، فرئيس السلطة القضائية آية الله هاشمي شاهرودي حذر من أن العنف والتعامل الخاطئ لمواجهة الأزمات الاجتماعية قد يؤدي إلى نتائج عكسية ، كما لم يخف المدعي العام في مدينة شيراز انتقاده وذلك بقوله لا يمكن إصلاح المجتمع بالعنف والإجبار، لقد أثبتت الأيام الأولى للحملة التي تشنها السلطات التحدي الحقيقي التي تواجهه فيما يتعلق بمسألة فرض الحجاب، خاصة وأن النساء في إيران قد أبدعن في ابتكار أساليب وموديلات متنوعة فيما يتعلق باللباس جعلت الحكومة في وضع لا يحسد عليه إضافة إلى ذلك فإان شيوع هذه الموديلات بين غالبية النساء ولاسيما في المدن الكبرى يجعل من الصعوبة تحقيق النجاح المطلوب الذي ترغبه السلطات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق